أم بالغريزة وأب بالتعيين

أميمة عبد العزيز زاهد


إن الجزء الأكبر في التربية يقع على الأم فدورها، الذي تلعبه في حياة الطفل أكثر مما يلعبه الأب، فهي التي حملت وولدت وأرضعت وسهرت وحضنت، بجانب أن إحساس الأم أقوى؛ لتلازم وجودها مع الطفل أكثر من الأب، الذي يصرف جزءاً كبيراً من وقته خارج البيت، وهذا لا يعفي الأب من قيامه بدوره في تحمل المسئولية معها. 
فالأب الذي يترك بيته للسفر والسهر دون رعاية، هو زوج يهرب من تحمل المسئولية، والأب الذي يسمح لنفسه أن يحل مشاكله بما فيها من نقاش عائلي خاص أمام أولاده، يعطيهم السلاح الذي يعلمهم به كيف يحاربونه به فيفقد احترامه وشخصيته، والأب الجاهل الذي لا يتورع عن سب زوجته أو ضربها أمام منظر من أبنائها، يزرع البذور السيئة في قلوب أبرياء، ويطبع أمام الطفل الدرس الأول الذي يجب أن يتعلمه ويسير على منواله مع زوجته في المستقبل، وبذلك يفقد صفته كأب ورجل. 
والأم الجاهلة التي تدلل ابنها وتستدر عطفه وتشجعه على العناد، وتظهر له نواحي النقص، ترشده بذلك إلى نقط الضعف وتفتح أمامه الطريق الذي يقوده للوراء وليس للأمام، والأم الجاهلة التي تشجع ابنها على الألفاظ الخارجة عندما يتعلم النطق، فهي تجرم في حق جيل كامل، والأم الجاهلة التي تثير غريزة الفضول في ابنها، فإنها تزرع بذرة سيئة في أرض ما زالت بكراً، الأم الجاهلة التي يستعطفها ابنها فيطلب منها نقوداً وتمتنع، فيلجأ للبكاء فتصر على موقفها بشدة، وقد تضربه بقسوة ليقلع عن حاجته، وتجلس تبكي، ثم بعد ذلك ترضخ وتعطيه ما يريد، فهي بذلك تعلمه وسائل الجبن وضعف الإرادة، الأم الجاهلة التي تحيط بأولادها وتطلب منهم أن ينضموا إلى صفها ضد أبيهم في الصراعات الدائرة بينهما، هي بذلك تهدم مبادئ الأمومة، وتهد كيان الأسرة التي تقوم أصلاً على المحبة والتآلف، الأم الجاهلة التي تتحدى زوجها أمام أولادها تعلمهم عدم البر وعدم الطاعة بالآباء، الأم الجاهلة هي التي تشجع ابنها منذ صغره على مغالطة الناس، وتترك له الحرية وتعتقد بأنها تربي فيه روح الاعتماد على النفس، فيخرج ويعود إلى وكره أي وقت وكيفما شاء، تكون بذلك قد زرعت فيه اللامبالاة والاستهتار، الأم الجاهلة التي تضرب ابنها في قسوة ليقلع عن بعض عاداته السيئة، أو لينصاع لها، تخلق في نفسه روح الأسر والرق، والأم الجاهلة التي تثير في ابنها أنواع الطفولة الكاذبة، وتشجعه على الاعتداء على الآخرين، وأخذ حقه بذراعه، إنما تكون بذلك قد لقنته الظلم والعداوة، الأم الجاهلة التي تري طفلها يقتلع الأزهار من الحدائق ويحطم المرافق العامة ولا تفعل شيئاً، بل قد تثور لو منعه أحد، إنما تغرس فيه الفوضى والخروج عن النظام.
إن جهل الآباء بأصول التربية لا يؤثر فقط على الأطفال، بل إنهم يجنون على نفسيتهم ومستقبلهم ومجتمعهم ووطنهم ويدمرون جيلاً بأكمله.