في ظل التسارع الملحوظ في تطوير القضاء بالسعودية، ليواكب المستجدات في الداخل والخارج، تشهد تجربة المرأة السعودية في مجال المحاماة تطوراً ملحوظاً، فبالرغم من حداثة هذه التجربة، فقد تجاوز عدد المحاميات المرخصات أكثر من 500 محامية، إذ تمثل ما يزيد على 10% من عدد المحامين في السعودية.
ورغبة من مجلة «سيدتي» في توثيق ما يحفُّ بهذه التجربة من إنجازات حققتها المرأة خلال هذه الفترة القصيرة وباتت معها الأجدر والأكثر طلباً في قضايا الأحوال الشخصية وما يواجهها في المقابل من صعوبات ومعوّقات، التقت بعدد من المحاميات وخرجت بالشواهد التالية:
المساواة والعدل
بدايةً أكدت المحامية والمستشارة القانونية «أمجاد سلطان بن نبهان»، أن النظام كفل للمرأة المحامية المساواة في حق الترافع أمام الجهات القضائية وشبه القضائية والإدارية، فيما يتعلق بالدعاوى المنصوص عليها في نظام المرافعات الشرعية، كما كفل لها النظام حق المساواة في جميع الإجراءات التي يقوم بها المحامي، كونه رجلاً، بما يُسنَد للمرأة في الأمور النظامية كافة، سواء التقاضي أو التوثيق أو كتابات العدل .
ومن جهتها أثنت المحامية والمستشارة القانونية «هنادي العجمي» على تجربة المحاميات السعوديات، وأكدت أن المحامية باتت الأجدر والأكثر طلباً في قضايا الأحوال الشخصية، كونها أقرب للمرأة وفهم حاجتها دون حاجز يردعها، رغم كونها حديثة عهد في المجال.
مشكلة التدريب
توضح المحامية والمستشارة القانونية «كريمة المشرف»، أن الكثير من خريجات الشريعة والقانون يبحثن عن فرص تدريب في مكاتب محاماة، حيث إن مدة التدريب لحاملات البكالوريوس 3 سنوات، ولا يُجيز النظام للمحامي تدريب الخريجات إلا بعد 5 سنوات من افتتاح مكتبه، في حين أن عدد الخريجات كبير جداً في السنوات الأخيرة في ظل عدد مكاتب قليل جدًا.
وفي الإطار ذاته تقول المحامية المتدربة «لولوة الخليفة»: «كوني لا أزال متدربة، فمن المصاعب التي أواجهها الشحُّ في مكاتب المحاماة، ضعف الرقابة وعدم وجود مردود مادي في أغلب المكاتب، طيلة الـ3 سنوات المخصصة للتدريب، وكذلك الاستخفاف بقدرات المحاميات الذي لمسته من خلال تعاملي بين أروقة المحاكم والذي يؤكد أنه لم يحدث الاستيعاب الكافي لفكرة دخول المرأة هذا المجال حتى الآن».
رفض القُضاة
عن المصاعب التي تواجه المحاميات والمتدربات تقول المحامية «ريم إبراهيم»: «بعض القُضاة يرفض وجود العنصر النسائي، والبعض أحياناً يرفض البدء في المحاكمة إلا إذا قامت المحامية أو المتدربة بتغطية عينيها ويديها، وفي المقابل البعض الآخر -ولله الحمد- يساعد ويحفز المحاميات، ويُنمي حب العمل لديهن».
وتستشهد المحامية المتدربة «أمل مغربي» بموقف حدث مع إحدى الزميلات المحاميات أمام عينيها، إذ تعرضت للطرد من قِبَل أحد القضاة في الجلسة بطريقة أشعرتها بالحرج، وما حدث كان صادماً بالنسبة لها.
الاختلاط
هذا وتطرقت المحامية المتدربة «إيمان عبد العزيز» إلى مشكلة أخرى، إلى جانب عدم تقبُّل القضاة لهن، وهي إشكالية الاختلاط في المكاتب مع المحامين الرجال، عدم ثقة العملاء بقدرات المرأة في الترافع ومحاولة استغلال أصحاب مكاتب المحاماة عاطفتهن في تكليفهن بالمزيد من الأعمال ودون مقابل مادي.
لجان صُنَّاع القرار
تشير المحامية والمُحكِّم التجاري «رباب المعبي»، إلى أنه رغم إثبات المحامية السعودية قدراتها، فإنها ظلت مغيبة عن المشاركة في لجان صنع القرار العدلي، ومنها الإدارة العامة للمحاماة، والهيئة السعودية للمحامين والتي من أهم أعمالها متابعة وتطوير المهنة، الارتقاء بقطاع الممارسة المهنية القانونية، ليكون قطاعاً رائداً يسهم في خدمة العدالة في المجتمع، وقالت: «أقترح مشاركة المرأة كعضو ممثل عن المحاميات في اجتماعات صنع القرار والإصلاحات». وأشارت إلى وجود احتياج لرفع الوعي الثقافي في المجتمع بمهنة المحاماة وأهدافها، حيث يجهل بعض العملاء أن مهنة المحاماة هي الترافع ومزاولة الاستشارات الشرعية والنظامية، حيث ينشأ واجب سداد أتعاب المحامي من جانب الموكل نظير بذل العناية والجهد من المحامي، فليس مطلوباً منه تحقيق نتيجة، بل بذل جهد معين من العناية والحرص على مصالح موكله.
كما قالت: «أسلّط الضوء على خطورة المتصدرين بكتابة مذكرات، ومُنتحلي المهنة وأثرهم السلبي بتعقيد القضايا، حيث ينتشرون في جوار دور المحاكم لعرض الخدمات للمستفيدين، وهذا السلوك مخالف لنظام المحاماة، ويتسبب في التقليل من شأن المهنة، فيجب التصدي لمثل هذه التجاوزات أسوةً بالمهن الأخرى» وأشارت إلى خطورة طلب الاستشارة القانونية والاستهانة بها من قِبَل المستشير، حيث أصبحت تُطلب من المحامين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مجاناً، وهذا السلوك ينافي احترافية وآداب المهنة، لذلك نرى أهمية رفع الوعي بشأن آليات طلب الاستشارة القانونية.
التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة
وفي حالة خاصة تسرد خريجة القانون «سارة العتيبي» معاناتها في العثور على مكتب محاماة يقبل بتدريبها بسبب إعاقتها البصرية، وعن ذلك تقول: «نحن ذوي الإعاقة، وبالأخصّ الإعاقة البصرية، نعاني عدم توفر الفرص المناسبة لنا في مجال التوظيف، إذ يتم حصرنا في وظائف «الكول سنتر» وغيرها من الوظائف التي تحقق السعودة لجهة ما». وأضافت: «نحن نرفض توظيفنا بهذه الطريقة، لأن لدينا طموحاً نسعى لتحقيقه، ونريد تطوير مهاراتنا، ونندمج مع بقية شرائح المجتمع، ومنها الالتحاق بمجال المحاماة، وكل ما نريده من مكاتب التدريب والجهات الأخرى إعطاءنا الفرصة، وليكونوا على ثقة أن المعوق شخص قادر على العطاء وليس عاجزاً واتكالياً».