الديّان لا يموت!

يا غافلاً عن خطر اللسان وعظيم جرمه، لا تنس أنَّ الله غير غافل عنك، فالغيبة في ظاهرها وباطنها معصية كبرى، ومرض من أمراض المجتمع، وتذكّر دائمًا قول الله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}. فمتى اغتبت الآخرين وتحدثت عن نقائصهم وعيوبهم فقد آذيتهم، وكنت كمن يأكل لحومهم، فهل هناك أبشع من أكل لحم الميت من البشر؟ فالغيبة من الصفات الذميمة، وحذّر منها النبي عليه الصلاة والسلام؛ لما فيها من إفساد للمودة وقطع لجسور المحبة وأواصر الأخوة، ولأنَّها تبذر بذور العداوة بين أفراد المجتمع فتنتشر بينهم الأحقاد، وبعدها يقع الخلاف والفرقة، ولما يترتب عليها من المفاسد الاجتماعيَّة، سواء في الدين أو الدنيا، فمن تطاول على أعراض الناس في السرّ أو العلن، ومن هتك ستر أخيه المسلم هتك الله ستره، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنَّ من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته»، فالغيبة سلوك لا يمارسه إلا من تغلغل الفساد في نفسه وكان قلبه مليئًا بالضغينة، فيدفعه حقده وكراهيته في الاغتياب والنيل من الآخرين، كما أنَّ الحسد داء عظيم، يأكل القلب ويشغل البال؛ لأنَّ كل هم الحاسد هو أن يحط من قدر أخيه، وينتقص من شخصيته، ويشوه صورته وسمعته عند الآخرين، كذبًا وبهتانًا، وينسي قول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. فعلينا أن نجاهد أنفسنا بالابتعاد عن مجالس الغيبة ورفاق السوء، الذين لا يتوانون عن أكل لحوم الآخرين، والخوض في أعراضهم، والاستهزاء بهم في الخلق أو الشكل أو النسب أو العمل؛ لأننا متى جالسناهم فإما أن نشاركهم في الباطل ونخوض معهم، وإما أن نجاملهم ببعض الكلام أو التبسّم أو الاستماع، وبذلك نكون موافقين لهم وشركاء معهم.

ويا ليت من ابتلاهم الله بهذه الصفة الذميمة يتذكرون أنَّهم أصحاب تجارة خاسرة؛ لأنَّهم خسروا حسناتهم وأعطوها رغمًا عنهم إلى من اغتابوهم. فإن لم تكن لديهم حسنات أخذوا عنهم سيئاتهم، والحمد لله فإن الذنب لا يُنسى والديَّان لا يموت... ومع الأسف هناك من تساهل بمثل هذه الأمور حتى اعتاد على آفات اللسان، واستهان بتناول الأعراض، وكم نحن بحاجة إلى أن نجد من يردد أمامنا مثل هذه الأقوال، ويسرد لنا مواقف السلف الصالح، وكيف كان حالهم حيال هذه الآفة؛ لتتذكر النفس قبل أن تتكلم، وما أحوج ما نكون للعمل الصالح؛ لأنَّ آفات اللسان تأتي على الحسنات، والجزاء من جنس العمل، عن أبي أمامة الباهلي- رضي الله عنه- قال إنَّ العبد يعطى كتابه يوم القيامة فيرى فيه حسنات لم يكن عملها، فيقول: يا رب من أين لي هذا؟ فيقول: هذا بما اغتابك الناس وأنت لا تشعر.

أنين الصدق

إنَّ الإيمان الصادق لا بد أن يرتبط بعمل صالح، وأنَّ العمل الصالح يرتبط بصحة النيَّة وصحة الأداء. هكذا تعلمنا وعلى ذلك تربينا، لكن يبدو أنَّ ثمة أقوامًا يحسبون صفاء العقيدة مرهونًا بسلامتها من عبادة غير الله وحسب؛ أي يحسبونه شكلاً لا ممارسة، فمن سلم من عبادة الأوثان أيًّا كانت مع النطق بالشهادتين، فقد صفت عقيدته، وليفعل بعد ذلك ما شاء