تعددت المحاولات التي قامت بها مختلف الدول في شتى أنحاء
العالم بمحاولة منها لصد نتائج الأزمة المالية ومحاولة دفعها بعيداً عن أجوائها، وعلى
الرغم من أنّ الكثير من هذه الدول قامت بإجراءات غير مسبوقة تاريخياً لترميم اقتصادها
ودعمه ومنع الأزمة من التطور إلا أنّ النتائج كانت مختلفة من دولة إلى أخرى وآثار الأزمة
لم تكن تعتمد فقط على مدى قوة اقتصاد هذه الدول أو على مدى توفر السيولة وضخها بالأسواق
بل على مفهوم آخر تماماً وهو مدى ثقة المواطنين بهذه الأسواق ومدى اعتمادهم على سرعة
التدخل الحكومي لإنقاذ أي كارثة محتملة قد تحل بهم.
على الرغم من آلاف الترليونات التي ضُخت بالأسواق إلا أنّ الإقبال لا يزال ضعيفاً من قِبل المستثمرين في مختلف دول العالم على فتح أي استثمارات جديدة أو حتى على دعم استثماراتها القائمة فعلياً وتطويرها، وعلى اختلاف الأماكن والمسببات وراء هذا التجميد أو التوقف إلا أنّ المحصلة كانت واحدة والسبب الرئيسي وراءه هو عدم الثقه بالمرحلة القادمة, وحتى الثقة بأنّ الأوضاع سوف تظل على الأقل كما هي ولن تسوء أكثر، وكنتيجة طبيعية لهذا الاعتقاد فقد انقسم أصحاب الاستثمارات المجمدة والمتوقفة إلى ثلاثة أنواع وهم:
النوع الأول: هم الذين تضرروا فعلياً من الخسائر في أسواق المال سواء المحلية أو العالمية نتيجة وجودهم في هذه الأسواق المتضررة عند ذروة الأزمة.
النوع الثاني: هو صاحب فكرة أنّ الاستثمارات في هذه المرحلة غير مضمونة, وأنّ الانتظار قد يكون أجدى على الأقل حتى تبدأ الأسواق بالرجوع إلى وضعها السابق، وهؤلاء هم أصحاب مسؤولية الكبيرة في عدم تنشيط الاقتصاد المحلي بل وأكثر من ذلك فإنهم بطريق غير مباشر يدعمون الأزمة الاقتصادية، ويزيدون الأمر سوءاً فوق سوئه.
النوع الثالث: وهم من يعتقدون أنّ الأسعار سوف تنهار أو سوف تهبط بشدة وعندها يمكنهم استغلالها والدخول إلى الأسواق بكل قوة، والاستفادة من النكسة التي يمكن أن تحدث بالأسواق والحصول على نتائج عكسية من الأزمة.
قامت العديد من الدول وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بمحاولة التصدي للأزمة بكل الطرق المتاحة أمامها، وقامت من ناحية أخرى بضخ مئات المليارات والترليونات لدعم الاقتصاد وتحريك الأسواق في اتجاهات إيجابية.
ولمن لم تقنعه التريليونات السابقة والمنفقة في هذه الأسواق إليكم أرقاماً أفضل بعد ضم السعودية إلى سوقها الطبيعي، أي مجموعة مجلس التعاون لدول الخليج العربي فحينها سيعمل الاقتصاد السعودي في سوق حجمه على الأقل 1.15 تريليون دولار من الناتج القومي الوطني، ممّا يجعل منه الاقتصاد رقم 12 أو 13 في قائمة الكبار عالمياً، وبالتحديد يجعلنا فوق كوريا الجنوبية وأستراليا، وليس بعيداً عن الهند ذات البليون نسمة و 1.23 تريليون دولار ناتج قومي.
إليكم أرقاماً أفضل تخصنا كمستثمرين سعوديين فقط:
- المملكة العربية السعودية اليوم صاحبة أكبر احتياطي نقد أجنبي معلن في العالم.
- المملكة العربية السعودية رابع دولة تتمتع بفائض في تجارتها الخارجية.
- وهي أيضاً رابع دولة في حيازة فائض في حسابها الجاري.
- والرابعة أو الخامسة دولياً وعالمياً التي تقدم مساعدات خارجية لدول أخرى تتعرض لكوارث وظروف اقتصادية صعبة.
والآن وبعد هذه النقاط الأربعة ألا نجد أننا ـ والحمد لله ـ بحال أفضل من كثير من دول العالم؟
ومع ذلك فقد قامت الحكومات بالعديد من الخطوات للاستمرار في جذب الاستثمارات سواء الخليجية أو المحلية عن طريق تشجيعها للاستثمار في أسواقنا المحلية وتقليص حالة عدم الثقة المتفشية بالأسواق، ومن هذه الخطوات:
- محاولة دفع الأموال للخروج من الحسابات البنكية في البنوك وذلك عن طريق تخفيض العوائد التي يجنيها أصحابها خلال وجودها بالبنك مما يدفعهم لمحاولة الاستفادة منها في مشاريع ونواحٍ أخرى.
- فتح جميع الطرق وتوفير جميع التسهيلات لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية والمحلية للدخول إلى السوق وتأسيس استثمارات جديدة.
- إجبار الشركات على ترسيخ وتطبيق مبدأ الشفافية في التعامل مع المستثمرين والمتداولين والمكتتبين لمعرفة الأوضاع الحقيقية للشركات وبالتالي زيادة عامل الثقة بالتعامل، ممّا يعني للمتداول البسيط أنه سيكون في كل وقت على علم كامل بحقيقة أوضاع الشركة المالية وعليه فإنه يستطيع أن ينسحب في أي وقت وبدون تردد.
- بث حالة الثقة بالأسواق والتي تمارسها السعودية من خلال إعلان خادم الحرمين الشريفين عن انطلاق العديد من المشاريع الضخمة والتي تؤكد للمستثمر أنّ الحكومة ترى المرحلة القادمة بعيون متفائلة جداً.
- إعلان خادم الحرمين الشريفين أيضاً عن أنّ السعودية ستقوم خلال السنوات الخمس القادمة باستثمار ما لا يقل عن 1500 مليار ريال أي بمعدل 300 مليار سنوياً، وهذا بدوره له الأثر الكبير ببث الثقة خاصة في هذه الخمس سنوات.
وعلى الرغم من كل تلك الإجراءات إلا أننا لازلنا نرى العديد من الآثار السلبية التي تظهر على السطح والتي لا تزال تترجم حالة عدم الثقة في المرحلة القادمة، ومن ضمنها الانهيارات التي تحدث على أسواق الأسهم بدون سبب حقيقي ومنطقي سوى أنّ الأسواق العالمية تنهار أو تهبط ممّا يجعل أسواقنا ومتداولينا يخرجون من الأسواق بشكل مبالغ فيه والذي ينعكس بطبيعة الحال على الاقتصاد المحلي ذاكرين بذلك الحالة المرعبة والمخيفة التي يطوق بها الإعلام العربي على الأزمة الاقتصادية محكماً أغلاله على فكر الناس داعياً لهم بطرق مباشرة وغير مباشرة من الاحتفاظ بما لديهم حتى لا يكونوا أحد الخاسرين في الزوبعة الشديدة التي تعصف بكل ما يقف أمامها متجاهلين أنّ الاستثمارات والمشاريع الصغيرة في حقيقة الأمر هي الأقل تأثراً بالأزمة المالية العالمية لأنها غير مرتبطة بالفعل بالأسواق المالية العالمية، وأنّ تعاملاتها التي قد تتأثر فعلاً بالجو العام إلا أنها تبقى في حدود المعقول دون أن تصل إلى مراحل الانهيار التي تكبدتها الشركات الضخمة ذات المشاريع الكبيرة والتعاملات مع أسواق عالمية وخارج المنطقة.