فجرها وفنجان سكنة
استقظت «البضاء» صبة حسناء ذاك الصباح، بخدود متوردة وابتسامة رائقة... شمس خجول أضاءت بأدب، فسحة السماء، بعد للة مطر سخة نظفت ما علق بالشوارع والنفوس من حزن... حتى لكأن الشوارع هي الأخرى طالها الاكتئاب، لكثرة ما داستها أقدام الغرباء والشحاذين والعابرين للضفة الأخرى... كلنا يدوس في طريقه شئًا للعبور...
استقظت يومها بمزاج يشبه شمس ذاك الصباح، بشهة للحاة والكتابة... فقد صارت عندي الثانة امتدادًا للأولى... أو على الأرجح هروبًا منها، واحتماء من سوفها بدرع الحروف.
وقفت في شرفتي أتأمل «البضاء» في غفوتها... أحلى هي في صمتها...أبهى وهي خافضة صوتها... يخّل لي أنها تصمت كل فجر لبضع دقائق لتؤدي صلاة شكرها، قبل أن تستقظ العون والقلوب الآثمة، وتدنس هواءها وشوارعها... ينساب صوت المؤذن... الله أكبر... يخترق قلاع الحزن والحرة، يداوي كل خلة عللة
في الجسد، يضمد جراح الروح من طعنات الآثام ويعقمها لاستقبال الوم الجديد للطاعة، هي ذي «البضاء» امرأة متعبدة في فجرها... وحدي أتنفس مخزون هواء ذاك الصباح، ملء روحي... وتهديني الشمس بكرم أول خوطها الذهبة، لسواد عوني التي استقظت لتحتفي بموكبها... أنصب نفسي ملكة، فلس من ينافسني على عرش السكون.
لحظتها... أتواطأ مع الريح، اتركها تداعب وجهي، وتحمل معها بعدا جدًا ما علق بابتسامتي من حزن... وتلك الشمس الخجول، رويدًا رويدًا تتسرب لدهالز نفسي، تنر عتمتها، وتذيب الجلد الذي تراكم على نوافذها... أفتح لوجهها الصبح أبوابي، وأركض لقلمي لأعتقل لعونكم لحظة السكون الهاربة... فبعد لحظات ستغرق «البضاء» من جديد في سواد ضوضائها.
فاطمة الزهراء جوهري - المغرب
لغة الحوار
إليك سيدتي هذه النصائح لمحاولة إعادة إحياء لغة الحوار والتواصل بينك وبين زوجك.. هذه اللغة ماتت أو توشك أن تموت.
فهذه النصائح المتواضعة هي الفأس الذي سيحطم التراكمات الصخرية عن لغة حواركما الجميلة.. وهى التي ستعيد لحياتكما رونقها المفقود... وكذلك ستجعلك قادرة على اختيار الوقت المناسب للحديث مع زوجك العزيز.. وستدلك على الإشارات التي يمكن من خلالها معرفة متى تكملي حديثك ومتى تعطي الرجل أقصى ما يتمناه وهو صمتك..
طبعًا أرجو ألا تصدقوني.. فلا يوجد شيء في هذه الدنيا يمكن أن يغير الرجل الشرقي ويجعله مقبلاً على الحوار مع زوجته.. ولا شيء يستطيع أن يعيد الحياة للغة حوار لم تولد أصلاً..
المهم أن أهم شيء لتطبيق هذه النصائح هو النظر في عينيه ثم عينيه ثم عينيه...
فإذا لاحظت أن البؤبؤ منقبض دلّ ذلك على فقدان اهتمامه بك.. فابتعدي عنه تمامًا، وانشغلي بالحديث كالعادة مع الحائط، أو اركضي إلى الهاتف قبل أن تفقدي حماستك.
أما إذا كانت عيناه تضيقان فإنه يكون غاضبًا، أو أنه نسي نظارته، ويحاول أن يركز عليك ليحاول تذكر ملامحك التي لم يتأملها منذ زمن.
وفي الختام يجب أن تعرفي سيدتي أن الرجل في النهاية، وبالطول والعرض يحب المرأة.. ولكن النتيجة تتوقف عليك...
فحتى لو كان زوجك يضربك ويهينك ويبخل عليك ماديًّا ومعنويًّا فلا تقلقي، فهو في النهاية يحبك جدًّا، ولكنه مسكين لا يعرف كيف يترجم حبه... فرجاء عزيزتي ساعديه، وقفي إلى جانبه.. وتذكري أن السر يكمن في عينيه ثم عينيه ثم عينيه...
وهنا وبعد أن تعرفي السبب، فأحسن شيء لتزيلي صخرة المشاكل هو أن تختفي تمامًا من أمام عينيه، ليستطيع هو الجلوس باسترخاء أمام التلفاز.
عبير سميح
مطر الفراق..
يغلفني الوجوم، نعود لنفترق..أضع رأسي على وسادتي لأنام، تظل عيناي مفتوحتين في الظلام، أفكر فيك.. تأبى الرحيل، وشيء في يرفض نسيانك..ارحل بلا عودة، أمطرني بالحنين، فهو أهون علي بالكثير من حبك.. يا مطر العمر لماذا لا تهطل.. لتغمرني حنينًا؟! لأفيق على صوت خطواته الحبيبة وهو يهم بالرحيل..
هناك عند البقعة التي يلقي القمر ضوءه فيها سأكون.. عند نافذتي ورذاذ المطر الناعم الخفيف يندي شعري ووجهي.. سأكون هناك بعيدة عنك يا قلبي أبكي مطر الفراق.. يأتي بدون تخطيط مسبق أو توقع.. ترحل هكذا.. تقتلني بكلمة سأرحل..
لماذا لم تترك لي وقتًا أعاتبك فيه.. أرفض رحيلك أصرخ وأبكي، أضربك، فقد تعود بك ذاكرتك إلى أيام حبنا بحثا عن طيفي.. تشيعني إلى نعشي في المطار.. وداع أخير قصير، يبخل عليّ، لا يعطيني الوقت الكافي لأستوعب، تتعلق عيناي بك «كيف ستتركني؟»..
لمست وجنتي، فتحت عيني، مسحت دموعي.. ومشيت، خطواتك كانت بطيئة كموتي، تسحب روحي إليك بهدوء، يحجبك المارة، أظل واقفة أنتظرك ربما تعود.. يعود إليك قلبك ليدق ويذكرك بي فتعود.. عيني مستعدة لأفتحها على أتساعها وأضمك فيها أبدًا..حلقت طائرتك التي تضمك وأحلامي على متنها.
لماذا يناديني الحنين بصمت أخرسته الأيام «ألن تعود؟» متى سأسألك، عندما يضيع عمري وقد لا تعود لتمنحني إياه لحظة.. لحظة تستعيره بسفرك، ثم لا أدري إن كنت ستعيده إليَّ في لحظة لقاء.. تركت إليّ كل الوقت لأبكي وأجن، أطرح أسئلة لن يجيبني عليها أحد غيرك..
حبر قلمي يفيض مشاعر ليملأ كل تلك الأوراق وهوامش كتبي المدرسية، أصل إلى الجدران، أحفر رموزًا لا يفكها سواي.. فأعود طفلة، أقف وسط زحام الناس، أحس بك موجودًا بينهم في مكان ما.. عد، فما عدت أحس بوجودي.. كذبة أنا بدونك كما أنت..
غدير عبد الله الكعيبي - السعودية
مسمار حقد..!
إذا تذكرت كيف كان الوضع آنذاك.. وكيف تغير الآن تمتمت شفتاي: سبحان مغير الأحوال ومقلب النفوس! أذكر أنهم كانوا يظنوني أضحوكة، يستلذ بالسخرية عليها تحت لثام المزاح، لست بحقودة؛ لكن الذكريات هي التي جرت مشاعري هذه..
حين طلبت دكتورتي واجبًا عبارة عن عدة أسطر تحويها صفحة واحدة، خدعنني بقولهن تريد أكثر من 100 صفحة.. لو كنت أسمع جيدًا ما اضطررت لسؤالهن، ولكن سمعي الضعيف الذي أخفيه تحت عذر أن صوت الدكتورة لا يصلني هو الذي ألح بالسؤال.
ولسذاجتي وبساطة فطرتي صدقتهن دون اعتراض أو تشكيك.. فمالت تلك الأجساد المحشورة بالمقاعد ضحكًا حتى بلغني قول: «مصدقة هالمسكينة!».
أمْسكت دكتورتي واجبي ورفعته عاليًا كعلم يرفرف تحية لأهله، وصدى صوتها يضرب القاعة: «يا بنات.. أريد تحية حارة لنورة، فواجبها الأفضل بينكنّ»!
فاجأني تصفيق بارد كأيدي صاحباته، ماعدا الصف الأول من فتيات القاعة..
فصرخت دكتورتي بكلمة أوجعتني «لا تكونن سودات»!!
تمنيت لحظتها لو أن صويحباتي حضرن المحاضرة ولم يهربن من تقديم الواجب، أقلها سأكون متوجة بفرحة منهن..كنت مبتهجة، وصرخت بفرحة مغمورة داخل نفسي حين لقيت الباقيات خارج القاعة: «دكتورة نبيلة يا بنات جعلتهن يصفقن لي»..
ردت سهى بسماجة: «صفقن لكِ والا صفقنكِ!!»..
لتعانق ضحكاتهنّ عنان السماء ثم تهوي على قلبي كمسامير حسد، ويتردد في نفسي ما قيل لي سلفًا: لا تحسبي أنهن يرافقنك لشيء..إلا كي تمدي لهنّ ما فات من الدروس»..
قضيت يومي بالبكاء مدعية أمام أمي أني مرهقة، فلن أستطيع إقامة علاقات صحيحة ما لم أغير مما أنا فيه من ضعف، الكل يعمد للمصلحة معي، وأنا لا أنفك عن تأدية ما يردن كي يحببني.. لا أحد يحبني لأجل نورة! إذن لن أذهب للجامعة..
مع طلوع الشمس عدلت عن رأيي.. تغيرت الفتاة التي يعرفونها.. فلا يهم أن أبقى وحيدة إذا كنت سأجلس مع من يستغلونني، دخلت من جديد بعزيمة، فتخرجت وأنا أنعم بصداقات متشعبة بالجامعة.. ليس لشيء.. لكن نورة التي شعرت بتلك الأحاسيس انقشع عنها ما كانت تجهله.. فأصبحت لا تصدق كل ما يقال لها؛ تمنيت أن أخنق صديقتي رؤى بيدي تلك الأيام؛ ليس لأنها أشعرتني بحجم عقلي الضئيل أمام أكاذيبها كأني لعبة تحركها كيفما شاءت بين يديها، اتضحت الصورة لي أكثر.. فهي تكره أن تراني سعيدة.. ولكن سأضع لها مبررًا لما فعلته بي وأسامحها على ما فعلت، علني أرى هذا المبرر متمثلاً لي بأحد الأيام دون أن أسعى للتفتيش عنه..
أضواء محمد الوابل
ربما جنون
بتُّ في صراعٍ فكري، بعد أن هبت رياح التساؤل العاتية على نوافذ عقلي؛ فتراقصتْ ستائر قناعاتي، واضطربت نفسيتي كاضطراب أصوات الطبول في قرع فوضوي، حيثُ أني بتُّ أرهف السمع لكل شيء يزورني، أصوات البلابل والعنادل، حفيف الشجر، نباح الكلاب، البكاء، والموسيقى، والحديث بأي لغة كانت، صوت مذيع الأخبار، وإمام مسجدنا وهو يتلو القرآن، وحتى صرير الأقلام الصحفية، وغيرها من الأشياء المقروءة!
أحاول جاهدًا أن أستشعر كل صوت يئز في أذني، وأتساءل ما مدى تأثيره على نفسيتي وتركيبتي الداخلية من خلايا وإفرازات هرمونية، وأنتهج الاستقراء لأبدد كل شيءٍ من حولي، وأسحبني إلى الأعماق، وأبحث بحثًا مضنيًا لأجد ضالتي، فأتيه في ودياني وفي جبالي وسهولي، ولا أعلم من أين بدأت وإلى أين سأنتهي، فكل ما شعرت به أن المبدأ البيروني الفلسفي بدأ يتوغل في مبادئي، ويحمل معولاً فيهدمها، ويقصف ويأسر ويشن الغارات ليبدلها؛ لأن المبدأ أني مؤمن بأن العلم يستعصي على الإدراك، فأستجمع كتائبي، وأخطب من منبر لا أعلم أين يقع منّي، لأثور ثورات تجابه هذا المبدأ، وأحمل في نفسي الكثير من أسلحة ومعلومات ومبادئ بُنيتْ على أن العلم لا يستعصي على الإدراك، وأنحر قائدها الفيلسوف بيرون.
جعلت لي صومعة أختلي فيها، لأجد جوابًا لتساؤل عام قبل الخصخصة «ما مدى تأثير ذبذبات الصوت والتردد الناتج عنه في الكائنات والأشياء؟» ولم أحب أن أرجع للكتبِ العلمية، بل أطلق العنان لتفكيري، بدا لي الأمر سهلاً، وبعد أن عزمت على حل التساؤل وجدتني في خضم أزمة ثقافة الوعي التي أعاني منها ومن إجهاض فكري وفقدان للشهية الكتابية.
نشأ هذا التساؤل مذ مقالي الذي كنت كتبته، والذي جنح بي إلى أمور أغرقتني في أمواج التصنيفات الفكرية الهادرة والهوجاء، بيد أني وجدتُ بعض المؤيدين ممن أثق فيهم علمًا، وعلى رأسهم الدكتور طارق السويدان في إحدى خصائص تسربلت من تساؤلي السابق حول تردد السؤال.
سعد الخشرمي – السعودية
وداعًا
عندما كنا نسمع ونقرأ عن قصص وغرام الحب، وصعوبة الفراق والحوار والسيناريو الجميل في تلك القصص الغرامية لا نشعر بوجودها، ولا نقدّرها حق التقدير لأننا لم نعشها بعد، ولم ندرك معانيها وعناصرها القيمة، وأدركنا أنها من الحقيقة والواقع، وحللنـا عناصرها، معانيها، وشاركنا أبطالها مأساتهم، وأصبحنا من أولئك الضحايا، ضحايا عالم خاص، عالم الحب والغرام، عالم فقط يعرف شخصًا واحدًا هو الحبيب.. ولتبق دموعي على ذلك الحبيب، لتجسد معنى قصتنا الحزينة، وتنظم مع باقي القصص والروايات التي سمعناها، وتصبح واحدة منها.
خالد مبارك الطويل – الرياض