شاركت الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي "دبي للثقافة"، بفعاليات قمة الإعلام العربي 2025، التي عقدت برعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ونظمها نادي دبي للصحافة، خلال الفترة من 26 إلى 28 مايو الجاري.
وجاءت مشاركة رئيسة دبي للثقافة من خلال كلمة رئيسية مهمة تطرّقت فيها للحديث عن دور الإعلام في عصر الخوارزميّات.
الإعلام والتحول الرقمي
يذكر أنّ الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم أشارت إلى أننا نعيش في مرحلةٍ فارقة، يتقاطع فيها الإعلام مع التحوّل الرقمي، وتتبدل فيها قواعد التأثير والتواصل، وتتغيّر فيها أدوار المؤسسات والأفراد، وهو ما يستدعي وقفة تأمل، وطرح أسئلة جوهرية تتمحور حول ماهية الإعلام الذي نريده، ودور المؤثر الحقيقي، وكيفية حماية مجتمعاتنا من الفوضى الرقمية دون أن يؤدي ذلك إلى عزلها عن التطور.
وأكدت بأنّ الخوارزميات والذكاء الاصطناعي ما هي إلا أدوات صنعناها نحن، ونمتلك مفاتيحها، ويجب أن ننظر لها على أنها فرص حقيقية لصناعة المستقبل، وعلينا أن نتعامل معها بالوعي المسؤول الذي نمتلكه، فنحن أصحاب العقول، ونحن المبتكرون، ونحن من يحدد الهدف ويوجه المسار، وقد حان الوقت لنستعيد زمام الأمور لنكون نحن من يقودها لا العكس، فقدرتنا على التوجيه تستند إلى المعرفة والإحساس بالمسؤولية تجاه أنفسنا وتجاه المستقبل.
تشكل المجتمعات الرقمية
وقالت رئيسة هيئة الثقافة والفنون:" عالمنا الذي نعيشه اليوم هو عالم متغيّر لم تعد ترسمه الجغرافيا ولا تحدُّه الحدود بين الدول، بل تصنعه الخوارزميات التي أصبحت تنسق تفاعلنا مع المحتوى، وتأخذنا لعوالم جديدة لكل منها هويّته وأفكاره وروحه، ما أثمر عن تشكّل المجتمعات الرقمية التي لا تُقاس فيها الهوية بالمكان أو الجنسية، بل بالفكرة والانتماء والاهتمامات والانطباعات المشتركة، لتتحوّل إلى مساحات للنقاش والمشاركة والبوح والتأثير، تمنح الفرصة للإنسان لأن يكون مرئيًّا ومسموعًا بعد أن كان مُهمشًا في واقعه، حيث تجاوزنا اليوم عصر الإعلام المركزي، ودخلنا عصر المحتوى اللامركزي الذي تتعدد فيه المصادر وتتناثر فيه الحقائق، ليصبح بإمكان كل فرد أن يكون "وسيلة إعلامية" قائمة بذاتها".
وأِشارت إلى أنّ المجتمعات الرقمية أصبحت واقعًا موازيًّا يُزاحم الواقع الفعلي في تشكيل الهوية، وتكوين العلاقات، وصناعة القرار، حيث شاركت الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد بعض الأرقام كشفت من خلالها طبيعة الواقع الذي نعيشه اليوم، فهناك ملايين المجتمعات الرقمية المصغّرة التي تتشّكل وتتنامى على مئات مواقع التواصل الاجتماعي النشطة في جميع أنحاء العالم، في حين يُقدَّر عدد سكان العالم في 2025 بأكثر من 8 مليارات نسمة، وهناك أكثر من 5 مليار هوية تعكس عدد المستخدمين النشطين لوسائل التواصل الاجتماعي، أي ما يمثل 64.7% من سكان العالم.
وبينت أنّ العام الماضي فقط شهد زيادة قدرها 241 مليون مستخدم، أي ما يقارب الـ 660 ألف مستخدم جديد يوميًّا، وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدل على أننا لا نشهد مرحلة تطورٍ تكنولوجيٍّ فحسب، بل تحوُّل جذري يعيد تشكيل علاقتنا بأنفسنا، وبالعالم من حولنا.
الإعلام وعلاقته بالإنسان
تجدر الإشارة إلى أنّ الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم طالبت بإعادة التفكير في دور الإعلام وعلاقته مع الإنسان، متسائلةً:" كيف سيخاطب الإعلام ملايين المجتمعات الرقمية الصغيرة، وكيف يمكنه فهم الهويّات الجديدة التي تشكّلها الخوارزميات والتفاعل والتواصل معها؟"، مشدّدةً على أهمية دور الإعلام كمرشد، ومسؤوليته الأخلاقية والمهنية المتمثلة في التحقق من المعلومات، وكشف الأخبار المضللة، وتقديم محتوى موثوق مبني على الحقائق والشمولية رغم سيطرة التكنولوجيا.
اطلعي على: انطلاق قمة رواد التواصل الاجتماعي العرب في اليوم الختامي لقمة الإعلام العربي
الإعلام وقيادة صناعة المحتوى
وخاطبت المؤسسات الإعلامية، قائلة:" الإعلام غير مطالب بأن ينافس المؤثرين في صراع "الترند"، بل نريده أن يرسّخ المعنى، يعيد بناء الثقة، ويقدّم سردًا إنسانيًّا عميقًا وسط سيل المحتوى السريع والمُختَزل، نحتاج في هذه المرحلة إلى إعلامٍ لا يركز على مواكبة التحوّل الرقمي فحسب، بل على قيادة صناعة المحتوى من جديد بعمقٍ ثقافي وإنساني، ليُعيد الإنسان إلى الواجهة، وهو ما يعيد تعريف دوره من ناقلٍ للأخبار إلى حاملٍ للهوية، وحارسٍ للحقيقة، مؤكدةً على ضرورة أنّ يصافح الإعلام العصر الرقمي من جهة، وأن يحافظ على أصالة القيم من جهة أخرى، كما يتوجّب عليه أن يفسر الحقائق ويترجم المفاهيم، ليعزز التفاهم والقيم الإنسانية المشتركة، لا تأجيج الانقسامات، وبهذا يستعيد مكانته راويًّا واعيًّا مسؤولاً يمتاز بالنزاهة والأصالة والانفتاح.
ودعت الجمهور للنظر إلى المجتمعات الرقمية كفرص لبناء الجسور وتبادل المعرفة وصناعة محتوى هادف، لا كتهديد، مؤكدة أننا اليوم في أمسّ الحاجة إلى نشر رسائل الأمل والخير والإيجابية، وهذا ما ينبغي على وسائل الإعلام القيام به أن تكون مناراتٍ للإلهام، وصوتًا للأمل، وشعلةً تُنير دروب المستقبل، لتمنحنا الثقة بغدٍ واعدٍ أكثر إشراقاً وإنسانية.
كما ووجّهت رسالةً للمؤثرين، قالت فيها:" أنتم لا تُمثّلون أنفسكم فحسب، بل تمثلون جيلاً كاملاً من الشباب الطامح الباحث عن الإلهام والقدوة، تقع على عاتقكم مسؤولية المساهمة في التغيير إلى الأفضل عبر محتواكم الهادف، ونفخر بكل مؤثرٍ نجح في إحداث تأثير إيجابي، ووضع مسؤوليته الأخلاقية نصب عينيه، وسخّر وعيه في خدمة محتواه، فاسعوا إلى ترك أثرٍ طيّب، فالأثر الطيب لا يُمحى".
وطالبت الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم المؤسسات الإعلامية والمؤثرين وصنّاع الرأي بالعمل معًا لصياغة خطابٍ إعلامي جديد أساسه المسؤولية والوعي، يضع المعايير الأخلاقية والمهنية في قلب المعادلة.
وختمت كلمتها بالتأكيد على أنّ المجتمعات الرقمية نشأت كامتداد طبيعي لعلاقة الإنسان بالإنسان، وحاجته لبناء الروابط وتبادل الأفكار والمشاعر، وتحقيق تطلُّعاته للتواصل والمشاركة والتأثير، داعيةً إلى الانطلاق من قمة الإعلام العربي نحو أهداف أسمى وأكبر وأعمق، بحيث نستثمر وسائل التواصل الاجتماعي في بناء مجتمعات إيجابية فاعلة - سواء واقعية أو افتراضية - لتحقيق أهداف إنسانيتنا المشتركة رغم كل الحدود والمسافات.
محتواك أثرك
يشار إلى أنه وفي خطوةٍ إيجابية وسعيٍ جاد لترك بصمةٍ رقمية تعبّر عن روح هذا اللقاء، أطلقت الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم خلال الجلسة وسمًا جديدًا بعنوان "محتواك أثرك"، وقالت عنه:" هذا الوسم سيكون حلقة الوصل التي تربطنا ببعضنا أينما كنّا، وسينعكس فيه وعينا وقيمنا ومبادئنا، وستتجسّد من خلاله تطلعاتنا نحو المحتوى الذي نطمح إليه، ليكون النتاج رصيداً غنيًّا من المضامين الهادفة التي نفخر بها، وأشارت إلى أنّ "محتواك أثرك" ليس مجرد وسم أو شعار، بل رسالةً لنا جميعًا لأن نقف مع أنفسنا قبل نشر أي محتوى، وعهداً بأن نُسخّر أصواتنا وحضورنا الرقمي من أجل إحداث التغيير والتأثير الإيجابي في حياتنا ومجتمعاتنا، لنكون منارات الخير والأمل للجميع.
يمكنكم متابعة آخر الأخبار عبر حساب سيدتي على منصة x