يعجز بعض الأطفال عن مواجهة الفشل وتقبّل الهزيمة بروح رياضية، فيقترف سلوكيات سيّئة تؤثّر سلباً على علاقته بأقرانه، كعدم تقبّله النقد البنّاء أو عدم الإعتراف بهزيمته وإلقاء اللوم على الآخرين أو عدم القدرة على تهنئة خصومه ومصافحتهم أو بكائه المتواصل والشكوى المستمرّة أو مغادرته اللعبة أو المسابقة المشارك فيها قبل انتهائها لشعوره بالفشل وعدم القدرة على المواصلة...
"سيدتي "اطّلعت من المرشدة السلوكية مزنة الثقفي على استراتيجيات تعلّم الطفل كيفيّة تقبّل الخسارة بروح رياضية.
لعل أبرز أسباب شيوع هذه الظاهرة تركيز الوالدين على تربية "طفل البطولات"، من خلال تقديم أفضل المكافآت والمطالبة بأعلى النتائج في المباريات أو الإختبارات أو المسابقات التي يشارك فيها، ما يحمّله خلال المرحلة العمرية المبكرة التي تبدأ من سنّ 6 أعوام وتصل حتى 10 أعوام عبئاً نفسياً زائداً وينمّي لديه في تلك المرحلة ظاهرة حتميّة الفوز وعدم الرضى بالهزيمة، مولّداً لديه ظاهرة التعصّب. وفي هذا الإطار، يحذّر اختصاصيو علم نفس الأطفال من النتائج النفسية السلبيّة لرغبات الوالدين المستمرّة بضرورة فوز طفلهما وحصوله على المراكز الأولى، وينبّهونهما إلى ضرورة مراقبة سلوك طفلهما في إطار المنافسة ومساعدته على فهم أسباب الخسارة ورؤية الحقائق بشكل سليم بدلاً من توبيخه وإلقاء اللوم عليه، الأمر الذي يدفعه إلى التنصّل من خسارته باختلاق الأعذار أو الجدل أو الغش أو إلقاء اللوم على زملائه أو انتقاده الدائم لقدرات المدرّب أو المعلم القائم عليه.
إستراتيجيات...
يفضّل الطفل خلال هذه المرحلة العمرية الإستماع إلى الأخطاء التي ارتكبها والداه في مرحلة نموّهما والتعلّم منها، وهذه الأخيرة تعدّ من أهم الإستراتيجيات النفسية التي تساعد الطفل على تقبّل الواقع مقارنة بوالديه اللذين مرّا بنفس تجربته ووقعا مثله في الخطأ وتعرّضا للهزيمة، ما يخفّف عنه وطأة الشعور بالخسارة، ويبدّل لديه بعض المشاعر السلبية بسلوكيات إيجابية تنمّي لديه الروح الرياضية وتعزّز التسامح وتقبّل الخسارة بشموخ. وهذه أبرز الإستراتيجيات الهادفة إلى بلوغ هذه النقطة:
سلوك حضاري: علّمي طفلك القيم النبيلة المتمثّلة في الإكتراث لمشاعر الآخرين والإهتمام بالزمالة والحرص على التواضع والإيثار والكفّ عن إبداء سلوك التذمّر أو الغضب أثناء المباراة والإمتناع عن ممارسة أي سلوك عدوانــي بين زملائه كالتهكّم أو الإعتراض باستعمال إشارات اليد أو الضرب، مع معاقبته وإخراجه من المباراة في الحال وحرمانه من المشاركة في اللعب مرّة أخرى. وفي هذا الإطار، أثبتت الدراسات النفسية أن أفضل طريقة لعلاج الطفل الذي لا يقبل الخسارة تكمن في مطالبة مدرّبه له بالتنحّي عن اللعب أو المسابقة فوراً، ما يجعله يعيد النظر في سلوكياته ويعمل على إعادة تقويمها بنفسه.
الروح الرياضية: من بين الطرق الفعّالة لإفهام الطفل أن الفوز لا يعني كل شيء، التركيز على قيمة الروح الرياضية وأهميتها لنيل الفوز، وذلك باستخدام العبارات التشجيعيّة لشحذ همّة الطفل وتحفيزه على مواصلة اللعب أو المنافسة تحت أي ضغط أو إحساس بالهزيمة، كتعزيز الوالدين لشعارات: «لا يهمّ المكسب أو الخسارة، الأهم هو الأداء الجيد بأخلاق رياضية» أو «المكسب ليس كل شيء» أو «أداؤك في المباراة هو ما سيتذكّره الناس، وليس النتيجة». ويمكن الإستعانة بأمثلة من النجوم العالميين الذين حقّقوا أداء عالياً بدون تحقيق نتائج ومناقشته في كيفيّة تقبّلهم الخسارة، وذلك بمصافحة خصومه بعد الإنتهاء من المنافسة، ما يجعله يدرك أن كل إنسان قد يُمنى ببعض الهزائم والإخفاقات في الوقت الذي يريد فيه تحقيق مزيد من فرص الفوز والإنتصار، ما يوجب عليه أن يستشعر مشاعر الآخرين ويتقبّل النتائج بشموخ وروح رياضية.
كيفيّة
التشجيع: تشير الأبحاث النفسية الحديثة إلى أن قيام الوالدين بتعليم طفلهما كيف يشجّع زملاءه من أكثر الطرق التي سوف تساعده على أن يكون عنصراً فعّالاً بين زملائه، ما يزيد التفاعل وتبادل الخبرات بين أقرانه وبينه. كما تؤكّد أن مبدأ التشجيع يساعد الطفل على مواصلة المنافسة للنهاية بدون ملل أو يأس من الفشل، وتؤهّله العبارات التشجيعية لحسن تقبّل الهزيمة. لذا، يجب أن ينبع هذا المبدأ التربوي من الوالدين، ثم ينتقل إلى الطفل، وذلك بإضافة بعض العبارات والإيماءات
التشجيعية إلى محصّلة سلوكه الرياضي، أبرزها: «هدف رائع» أو «محاولة ممتازة» أو «أنا فخور بك» أو «استمر
يا بطل» أو الإشارة بإصبع الإبهام علامة الأداء الجيد وتعزيز هذا السلوك في أي نشاط جماعي يشترك فيه الطفل على غرار ممارسة لعبة جماعية أو الخروج في رحلة اكتشاف مع الأصدقاء أو أثناء الإقامة في المعسكرات.
مواجهة الهزيمة: يجب أن يتعلّم الطفل أن الخطأ هو السبيل إلى التعلّم، وأنّه سيتلافى الوقوع في الخطأ عينه في المرّات المقبلة ليحقّق الفوز ويتجنّب الهزيمة. وفي هذا الإطار، أثبتت الدراسات الحديثة في علم الإجتماع أن شعور الطفل بتقبّل والديه لأخطائه وعدم توبيخه واستقبالهما لهزيمته بدون تذمّر أو غضب يعدّ من أفضل الطرق لتعليم الطفل مواجهة هزيمته بشجاعة بدون التنصّل منها والتكيّف معها. كما ينصح الباحثون بضرورة أن يقوم الوالدان بعد كل مشاركة جماعية للطفل، بالثناء على أدائه وطريقته، مهما كانت النتائج المحقّقة ومناقشته في مواطن القوّة والضعف لديه، ثم إعطائه درجة أداء يتمّ تسجيلها في مفكّرة خاصّة بإنجازاته ومشاركاته الجماعية، حتى تتمّ مقارنتها بباقي العلامات في ما بعد، إلى جانب مكافأته بجائزة عينيّة تعوّضه عن غياب جائزة المسابقة وتذكّره بها.
نصائح تقويمية
قدّمي لطفلك نموذجاً يقتدي به عند تعرّضه لموقف الهزيمة، وذلك بتوضيح طريقتك الخاصّة في مواجهة الخطأ وكيفية التعامل معه، بحيث تكونين قدوة صالحة للطفل، تساعده على التعلّم من أخطائه.
ضعي خطة يومية لممارسة لعبة مسائية مع أفراد الأسرة، كالشطرنج أو ألعاب الفيديو التي تعتمد على مبدأ المكسب والخسارة، مع التركيز على عدم الإعتراض أو اختلاق الأعذار أو إبداء الإنتقادات أثناء اللعب.
إحرصي على ضبط انفعالاتك أمام طفلك في حال تعرّضك للهزيمة، وقومي بتقبّل الخسارة بروح طيّبة وبدون غضب، فالطفل في تلك المرحلة المبكرة يميل إلى محاكاة الكبار في تصرّفاتهم وتقليد سلوكياتهم عن ظهر قلب.
لقّني طفلك إيجابيّة التحدّث مع النفس، وذلك من خلال تعليمه بعض العبارات التي يجب أن يقولها لنفسه عند مواجهة المشاعر السلبية، كـ "يمكنني أن أتخطّى حاجز الفشل" و"لست الوحيد الذي يخطئ» و«يجب أن أستعيد توازني وأتعلّم من هزيمتي"، وذلك بقيام الأم بتدريبه عليها وذكرها له بصوت مرتفع مرّات عدّة يومياً، حتى تزيد فرصة الطفل في تذكّرها واستخدامه لها بمفرده.
إسمحي لطفلك أن يعبّر عن شعوره بالهزيمة في وقتها، سواء بالبكاء أو الصمت أو التفكير، علماً أن هذه المدّة تشكّل أفضل وقت لاكتشاف الخطأ والتعلّم منه، بدون أن تلقي على عاتقه مسؤولية الخسارة، بل اقتربي منه واحرصي على ملامسته، ليشعر بالدفء والقوة على تخطّي الهزيمة بنجاح.