تربية الطفل سياسة

من الضروري تحديد قواعد تربوية ثابتة لتعريف الطفل على الخطأ والصواب‏. ففي حال انتهاجه لسلوك نافر، لا يدع العقاب لمزاجهما وحالتهما النفسية أو لطباعهما الشخصية،‏ لأن غياب هذه الثوابت في التعامل معه تشكّل أسوأ طريقة لتربيته، حسب الخبراء.

الاستشاري التربوي في معهد التربية الفكرية بالرياض الدكتور عثمان عبد الله يطلع قارئات "سيدتي" على أهمية توحيد الأبوين أسس تعديل سلوك الطفل:


من الضروري توحيد معايير التربية من قبل الأهل، تلافياً لئلا تضيع ويتلاشى أثرها، إن قام أحدهما بإصدار توجيه مغاير للآخر، أو إذا كانت سياسة أحدهما الحزم الشديد في حين يتبع الآخر اللين المفرط...لذا، تستوجب هذه الرسالة اتفاق الأبوين على الطريقة والأسلوب والتوجيهات التي ستحكم السيطرة على الأبناء، من خلال احترام كل منهما لرأي الآخر ووصولهما إلى حلول وسطى في حال الاختلاف في وجهات النظر تخدم الأهداف المشتركة التي يطمحان إليها.

وينصح الدكتور عبد الله أن يتم الاتفاق بين الوالدين في مرحلة مبكرة من سنّ الطفل، وذلك لتفادي حدوث خلافات في المستقبل على أسس تربيته، كما ينصح أن تكون هذه الحوارات الخاصّة بتحديد سياسة موحّدة تجاه الطفل بمعزل عن هذا الأخير.  

 

 

ومن المعلوم أن الاختلاف في السياسات التربوية التي يتبنّاها الأبوان أمر بالغ الخطورة على مستقبل الأبناء، حيث يتسبّب التناقض في أسلوبهما في حدوث حالة من الاعتلال والاضطراب في شخصية الطفل، مع عيشه حالة من الصراع الداخلي في نفسه، الأمر الذي يلقي بآثاره السلبية على شخصيته. وتشمل أبرز هذه الآثار:

•           عدم ثقة الصغير في نفسه، وافتقاده القدرة على اتّخاذ القرار.

•           ظهور حالة من التذبذب والقلق والتوتر المرضي بسبب عدم قدرته على توقّع ردود أفعال أحد والديه أو كلاهما.

•           لدى قناعته بأنّ أي قرار يتخذه أبوه يمكن أن يتم الرجوع عنه عبر اللجوء إلى أمّه أو العكس، تتمهّد الطريق لاتجاهه نحو الانحرافات السلوكية، خصوصاً أنّ التناقض في سياسات التربية بين الأم والأب غالباً ما يرتبط بضعف الرقابة الأسرية.

•           لدى مواجهته مشكلة، يلقي كلّ من الأبوين اللوم على الطرف الآخر، فيصبح التنصّل والهروب من الأخطاء هو الشغل الشاغل لهما، في حين يتجاهلان حلّها ما يجعلها تتفاقم.

•           عندما يفقد الأبوان مصداقيتهما أمام الطفل، تصبح عملية التوجيه والتربية صعبة أو ربما غير ممكنة إلى حدّ ما، ليختار الابن التوجيهات التي تتماشى مع أهوائه وميوله ورغباته، بعيداً عن منفعته.


غياب القدوة

ولعل أكثر العواقب سوءاً لفشل الوالدين في توحيد سياستهما تجاه تصرّفات الابن، ميل هذا الأخير للطرف الذي يدلّله ويحقّق له رغباته ولا يكترث لمعاقبته إن أخطأ، خصوصاً إذا كان الطرف الثاني يتبع أسلوب الحرمان والصرامة في العقاب، ما يزيد من ابتعاد الطفل عنه أو تجنّبه خشية بطشه...وقد يصل الأمر إلى حد الكراهية! وتبلغ الأمور خطورةً عندما يعتبر الطفل ومع التقدّم في العمر، أن الطرف الذي كان يدلّله ضعيف ويمكن تجاوزه بسهولة، وبالتالي ينفرط عقد التربية على أساس سليم، في ظلّ غياب قدوة يحتذي بها الطفل ويتبع أوامرها.

 

لا للابتزاز العاطفي!

ويشكّل تماسك الرأي بين الزوج والزوجة تجاه الابن أحد أعمدة تكوين شخصية هذا الأخير، وذلك منذ الأشهر الأولى التالية لولادته وحتى الوصول به إلى برّ الأمان الذي يتشكّل في فترة ما بعد المراهقة.

وتفيد دراسة علمية، في هذا الإطار، أنّ الحنان العائلي يشكّل 70 من مكوّنات البناء النفسي للطفل. وعند اقترافه لبعض الأخطاء التي تستوجب العقاب، يجدر بالأبوين أن يتماسكا في أخذ القرار اللازم لتهذيب سلوكه.


في المقابل، إذا اتّضح للصغير أنّ أباه غير موافق على قرار أمّه أو العكس، فسيدفعه ذلك إلى استغلال هذه الفجوة والتمادي في طريقه إلى الخطأ، وهذا ما يُسمّى بـ "الابتزاز العاطفي". وتوضح دراسة متعلّقة بتعاطي الأطفال والشباب للمخدرات، أنّ 60% من الحالات تنتج بسبب عدم التماسك الأسري وعدم اتفاق الزوجين على طريقة تدبير تربية الطفل.