يقول الله سبحانه وتعالى عن القصص القرآنى وعن كتابه الكريم: « إنا أنزلناه قرءاناً عربياً لعلكم تعقلون* نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين».
لقد وصف الله فى كتابه الكريم القصص القرآنى بأنه أحسن القصص وبأن ورود القصة فى القرآن الكريم لم يأت فقط للتسرية عن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم. بل أتى لإلتقاط العظة والعبرة من هذه القصص القرآنية التى أزاحت عن عقولنا ستار الجهل والغفلة.
قصتنا اليوم هى قصة البر والذكاء لإبنة تفانت فى حب أمها وطاعتها وكانت خير معين لتلك الأم التى واجهت ظروفاً صعبة فى حياتها؛ فلم تترك تلك الإبنة البارة أمها تواجه ظروفها بمفردها بل كانت خير معين لأمها واستطاعتا معا أن تحققا الكثير من الأهداف ومن أهمها الحفاظ على نبى من أنبياء الله ألا وهو سيدنا موسى كليم الله والنبى المرسل إلى بنى إسرائيل. إنها أخت سيدنا موسى، بنت يوكابد أم موسى عليه السلام.

لقد إختلف العلماء والمفسرون في اسم أخت سيدنا موسى عليه السلام ، فمنهم من يقول إن اسمها كان «مريم» بنت عمران أخت كليم الله سيدنا «موسى بن عمران»؛ وإن السيدة مريم العذراء سُميت على اسمها لأنهم قديما كانوا يسمون أبناءهم على أسماء الصالحين ممن سبقوهم، ومن العلماء من يؤكد لنا أن اسم أخت سيدنا موسى الحقيقى «كلثم».
وأياً إن كان إسمها فهي «أخت موسى» تلك الفتاة البارة بأمها المطيعة لأمرها المؤمنة الحكيمة التي وقفت بجوار أمها لحظة أن وضعت وليدها الصغيرالذى كان محكوماً عليه بالذبح! لولا أن تعهدته أخته منذ لحظة ميلاده بالرعاية والإهتمام والكتمان حتى لا يصدرمنه صوتً فتكون نهايته!فقد كان جواسيس فرعون الطاغية فى كل مكان تتنصت على الأبواب!
وهى أيضاً تلك الفتاة الذكية الواعية التى كانت لأمها العين البصيرة وصاحبة البصر الثاقب التي لم تغفل عن أخيها لحظة واحدة حينما التقطه آل فرعون.
وكانت أخت موسى كما يتضح من سيرتها فتاة عاقلة مؤمنة مطيعة على قدر عال من الإيمان والذكاء وتحمل المسؤولية، وربما كانت هى الأخت الكبرى يليها أخوها هارون ثم أخوها موسى.
محبة الأم
إيمان هذه الفتاة يتضح لنا منذ الوهلة الأولى ليس فقط لأنها شبت فى أسرة مؤمنة، ولكن لأنها وضعت أمام عينيها هدفاً نبيلاً سامياً ألا وهو إرضاء ربها فى إرضاء أمها والبر بها.
ولأن كلثم أطاعت أمر ربها فى أمها كان التوفيق حليفها فى كل المهام الموكلة إليها فبإيمانها استطاعت أن تثبت أمام حاشية فرعون ولم تفضح أمرها، وبذكائها استطاعت أن ترجع أخاها الوليد إلى أمه مرة أخرى بأن أخبرتهم بأنها على علم بمكان مرضعة جيدة للوليد الذي اصبح لديهم الذى يرفض كل المرضعات!
العين البصيرة
بعد أن أمر الله تعالى أم موسى بوضع وليدها فى الصندوق الخشبى المليئ بالفتحات للتنفس، ثم إلقائه فى نهر النيل خوفاً من أن يعلم بأمره فرعون وجنوده ويقتلوه فى الحال أطاعت أم موسى أمر ربها ونفذته.
وماكان بيد أم موسى حيلة غير أنها أخبرت ابنتها «كلثم» أن تتبع آثار الصندوق الخشبى فى الماء؛ وألا يغيب عن عينيها ولو لحظة؟
ولم تكن المهمة سهلة فقد ظلت أخت موسى تتبع أثر أخيها الساعات الطوال وهو يسير مع التيار فترفعه موجة وتخفضه أخرى، وربما رآها أحد جنود فرعون وهى تسير فتظاهرت بعدم الإهتمام ولم تركز نظرها على الصندوق طول الوقت وإلا كان افتضح أمرها، والتزمت «كلثم» جانب الحكمة، وأخذت بالأسباب، واستعانت بالله على تحقيق مطلبها، كما هو شأن المتوكلين، فلم تغفل لحظة عن الأمانة التي حملتها أمها إياها وانطلقت تتبع أثر أخيها الوليد لتعلم خبره عن بُعد.
حاشية القصر تلتقط الوليد
وما لبث تيار نهر النيل بمصر أن استقر بالصندوق الخشبى على ضفاف النهر بالقرب من مكان بعيد ربما قد لانتخيله منذ الوهلة الأولى، إنه قصر فرعون، حيث الجنود والحرس والحاشية.
وإتخذت كلثم لنفسها جانبا من جوانب القصر بعيدا عن الشك والتهمة، وظلت تتبع أخاها بعينها وقلبها بعد أن التفت حوله حاشية القصر غير أنه لحسن الحظ كانت حاشية إمرأة فرعون هى التى سبقت لإلتقاط الوليد وأعطته لسيدة القصر السيدة «آسيا» التى فرحت به أيما فرح واستبشرت به خيراً.
محبة من الله
كانت أخت موسى تراقب الموقف من بعيد وعرفت أن امرأة فرعون جاءت لأخيها بمرضعات كثيرات إلا أنه كان يأبى كل المرضعات ، فحرمهن الله عليه فلم يتناول ثدي واحدة منهن لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى.
واقتربت كلثم أكثر وأكثر من المشهد بالقرب من القصر ولما رأت نفسها قريبة تدخلت تنصح لهم فقالت :
هل أدلكم على أهل بيت يرضعونه ويحسنون كفالته ويكرمون مثواه ويقومون بشأنه كله خير قيام؟
فقبلوا منها هذا النصح بعد أن استوثقوا من صدقها، وأيقنوا أنها لاتعرف الوليد وليس لها به صلة، فدلتهم على أمه ودلتهم على عنوانها، فأرسلوا فى طلبها وهم لايشعرون بأنها أمه، وقدموا لها الوليد لترضعه.
عودة الإبن الوليد
تناول موسى الصغير ثديها ورضع منه بسهولة ويسر، ففرحوا بذلك فرحا شديدا وقالت إمرأة فرعون لها إسكني معنا في القصر لترضعى هذا الوليد الوضيء؛ فأعتذرت بأنها لاتستطيع أن تعيش معهم في هذا القصر لأن لها زوجا وأبناء وطلبت الأم أن تستبقى الوليد في بيتها لترضعه فأبقوه معها واغدقوا عليها العطاء.
أخت موسى هنا هي نموذج للإبنة البارة والأخت الحنون التي تساهم في سعادة أسرتها وتبذل من أجل هذه الأسرة كل ما استطاعت من جهد وعزيمة فسلام على أم موسى التي ربت هذه الفتاة وعلى أخت موسى كلثم الحنون، وعلى سيدنا موسى أفضل السلام.
المزيد من التفاصيل تجدونها في العدد 1472 من مجلة "سيدتي" المتوفر في الأسواق.