يقول الشيخ الدكتور محمد جاد بن أحمد صالح المصري، المستشار الشرعي إمام وخطيب جامع أبي هريرة بالرياض: إن الطلاق حل رابطة مؤسسة الزواج، وهو نظام شرعه الإسلام كعلاج لمرض خطير؛ هو استحالة العشرة بالمعروف بين الزوجين، وجعل إيقاعه حدًا من حدود الله، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ}(الطلاق: 1)، ويمكن للرجل أن يبقي زوجته في طهر لم يجامعها فيه طلقة واحدة على أن يبقيها في بيته وينفق عليها ويحسن إليها طوال فترة العدة، فإن بدا له خلال العدة أن يراجعها في الطلقة الأولى أو الثانية فله ذلك، وإن انتهت العدة ولم يراجع أو كانت الطلقة الثالثة لم يحل له مراجعتها إلا بعقد ومهر جديدين في الطلقة الأولى والثانية، أما بعد الطلقة الثالثة فلابد من أن تنكح زوجًا غيره، زواج رغبة، ويطلقها وتنتهي عدتها منه، فيحل للأول أن يراجعها بعقد ومهر جديدين.
كما حثّ الإسلام على الإحسان إلى المطلقة، فقال: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} (البقرة: 236).
وإذا طلقت المرأة لم يجز حرمانها من أبنائها أو الإضرار بها، أو حرمانها من الزواج بغير زوجها الأول.
العدوانية مقابل المطلقة
تعاني المطلقات من تصرفات عدوانيَّة من مطلّقها ومن والديها ومن صديقاتها، ومن مجتمعها، أما مطلقها فإن بعض الأزواج يسعى إلى الإضرار بزوجته وإلحاق الأذى والمشقة بها، وربما آذاها في مالها أو أبنائها أو بدنها، أو أساء إلى عرضها، وهذا من الظلم الذي قال الله سبحانه وتعالى عنه: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (الأحزاب: 58)، ويقول سبحانه: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} (البقرة: 233)، ويقول الله عزَّ وجلَّ في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا»، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أجدر من أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم»، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من ضار ضار الله به، ومن شاق شاق به». وعلى المطلق أن يتقي الله في نفسه، ويتوب من ذنبه، ويتحلل من مطلقته ويحسن إليها، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (البقرة: 237).
للمطلقة حقوق... مَن يذكرها!
ليعلم المطلّق أنَّه يجب عليه أن ينفق على زوجته في عدتها، وينفق على أبنائه منها، ولها أجرة الرضاعة لأبنائها منه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته...»، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت».
وكذلك محاولة بعض المطلقين حرمان مطلقته من أبنائها يتعارض مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت أحق به ما لم تنكحي»، وحتى لو تزوجت فلا يجوز للأب حرمان الأبناء من صلة أمهم وبرها، كما لا يجوز للأم أن تفعل ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من فرّق بين الوالدة وولدها فرّق الله بينه وبين أحبته»، ومن الجرائم والمظالم اتهام الرجل لمطلقته وسبها بين أبنائها وبين أهله، ومحاولة الإيقاع بينها وبينهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء»، ويقول أيضاً: «ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا البذيء»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «ما جعل الرفق في شيء إلا زانه ولا نُزع من شيء إلا شانه».
ومما يحرم كذلك على المطلّق إفشاء سر زوجته وإذاعته بين الناس، وقد نصّ الفقهاء على أنَّه يحرم على كل مطلق إفشاء السر إذا كان فيه إضرار وأذى، وما يكون فيه غضاضة عليه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرَّها».
وأشد من هذا كله تعليق المرأة مع طردها من بيته، وعدم الإنفاق عليها وعلى أبنائه، والمعلقات يعتبرن في مجتمعنا للأسف قنبلة موقوتة توشك أن تنفجر، وإنني أناشد الأزواج بتقوى الله فيهن والقيام بواجبهن، إما إمساك بمعروف وقيام بالواجب، أو تفريق بإحسان.
وأما الأهل والمجتمع فنناشد الجميع بأن يراعوا ضمائرهم في التعامل مع المطلقات والمعلقات، وأن يحسنوا الظن بهن، وأن يقوموا بواجب الإعانة لهن ومساعدتهن على تجاوز الأزمة والخروج منها بأقل الأضرار، وندائي للمطلقات والمعلقات أنه لا تزال أرض الله واسعة، وفرص الحياة أمامكن، فبادرن إلى الصلة بالله عزَّ وجلَّ وأكثرن من الاستغفار والدعاء والإنتاج بما تيسر، فالموظفة بإتقان عملها، وغير الموظفة بأن تتعلم صنعة تعينها على القيام بالإنفاق على أبنائها، والحذر مما تفعله بعض المطلقات اللاتي يحصلن على مخصصات الضمان، الذي هو من أموال الزكاة، والذي لا يحل إلا للفقراء والمساكين، وبقية الأصناف الثمانية، ولا يحل لغيرهم، فإن أغناك الله بزوج أو أب منفق فاستغني عنه.
ثم تحدث الشيخ الدكتور سعيد بن غليفص، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، فقال: مما لا شك فيه أن المطلقة تعاني من ظروف نفسية وحرج اجتماعي لا يقدره إلا النساء المطلقات غالبًا، وذلك نتيجة للكسر الذي تعرضت له، مما يستدعي التضامن من الجميع، لاسيّما أهل المطلقة وقرابتها، من الالتفاف حولها ومواساتها والوقوف معها والسعي في تزويجها بعد انتهاء عدتها ممن تبرأ به الذمة ويكون سببًا في إٍسعادها وتعويضها عما حصل لها، ومما ينبغي أن يُذكر في هذا المقام أن كثيرًا من المطلقات ما طُلقن بسبب سوء فيهن، وإنما وقعن فريسة وضحية لأزواج قد ضعف الإيمان والرحمة والإحسان في قلوبهم.
فليس عيبًا أن تطلب المرأة الطلاق حين تجد زوجًا قد قطع صلته بربه، فلا يقيم للصلاة وزنًا، ولا لطاعة الله قيمة، كما أنه ليس قدحًا في المرأة حينما تطلب الطلاق من زوج قد أدمن المخدر والمسكر، وأساء العشرة وخان الأمانة، بل إن بعض الزوجات الكريمات تطلب الخلع في المحاكم الشرعية؛ وذلك لأنها إنسانة تريد الحياة الكريمة والمعاملة السليمة.
ليس كل مطلقة... فيها عيب
ثم تحدث الشيخ الدكتور نهار بن عبد الرحمن العتيبي، عضو الجمعية الفقهية السعودية، فقال: قد لا يكون بالضرورة طلاق المرأة لعيب فيها، فربما كان العيب هو في الرجل الذي تسرع في الطلاق، أو بسبب طلب المرأة نفسها للطلاق لعيب في الرجل نفسه، ولا يمكن إصلاح ذلك العيب أو علاجه، ولذلك فإن من القسوة على المطلقات أن يعمم عليهن حكم واحد، وكأن المطلقة هي السبب في الطلاق دون غيرها.
فضل الزواج من المطلقة
الزواج من المطلقة هو أمر محمود، وربما كان ذلك الزواج زواجًا مباركًا على كلا الزوجين، فقد تزوج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بجميع نسائه وهن ثيبات باستثناء واحدة فقط، وهي عائشة، رضي الله عنها، وأنه من غير المقبول في المجتمع المسلم أن تكثر المطلقات ثم لا يجدن من يتزوج بهن، وعلى هذا الأساس فإنه لابد من معالجة أسباب الطلاق أولاً، وإشاعة التحذير من الطلاق في المجتمع، ثم إذا حدث بعد ذلك طلاق فالواجب على المجتمع أن يراعي أحوال تلك المطلقات، ولو بوجود جمعية تعتني بهن، وتبحث لهن عن الأزواج الأكفاء، فإن المجتمع المسلم هو مجتمع متماسك، وقد شبهه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالبنيان الذي يشدّ بعضه بعضًا، والمطلقات بلا شك هن جزء من هذا المجتمع، لذلك كان لابد للمصلحين من البحث عن حلول مناسبة تشجع على الزواج بالمطلقات، حتى لو كان ذلك من خلال مساعدة مالية للأزواج الراغبين بالزواج من مطلقة، ولو كان الزوج معددًا، فربما رزق الله الزوجين بولد أو بنت صالحين يدعوان لهما.