mena-gmtdmp

حقوق المعوقين علينا

بداية يتحدث الشيخ حمود بن محسن الدعجاني، عضو الجمعية الفقهية السعودية، عن المعوّقين، ويقول: يوجد في كل مجتمع من المجتمعات فئة خاصة تتطلب تكيفًا خاصًا مع البيئة التي يعيشون فيها، نتيجة لوضعهم الصحي الذي يوجد به خلل ما، وهذا التكيف لا يأتي من قبلهم، بل يقع عاتقه على من يحيطون بهم بتوجيه الاهتمام لهم، مثلهم مثل أي شخص طبيعي يمارس حياته، ويبدأ هذا الاهتمام مع جانب لا نلتفت إليه ونهمله، وهو المسمى الذي نطلقه على هؤلاء الأشخاص، وقد تطور هذا المسمى عدة مرات، ومرَّ بمراحل كثيرة ترضي الفئة القوية بإصرارها وتصميمها على إثبات الذات، وأن لها دورًا فعالاً في حياة المجتمعات بأسرها على مستوى العالم

فبدءًا بهذه المسميات شاع كثيرًا استعمال كلمة «معاق»، وهي من أصل «عوق» يدل على المنع والاحتباس، فكل ما يحول بينك وبين فعل أي شيء تريده فهو عائق لا يمكنك من ممارسة حياتك بالشكل السوي، خاصة الأنشطة اليومية، ومن بينها خدمة النفس الذاتية، والأنشطة التعليمية، والعلاقات الاجتماعية، وحتى الاقتصادية منها، لكن هل هذا ينطبق على الشخص السوي الذي تصدر منه تصرفات يضع من خلالها إطارًا لسلوكه يمكن أن تصفه أيضًا بالشخص المعوق؟ وما هي سمات وملامح هذا السلوك ومتى نصف السلوك بأنه سلوك معاق؟

أكيد أن كل شخص يعاني من ضغوط أو اضطرابات نفسية، أو حتى علة جسديَّة ستنعكس بالضرورة على تصرفاته وسلوكه

لكن ماذا عن الشخص الذي يعاني من أي اضطرابات أو أمراض ويعاني من اعتلال في تصرفاته تجاه الآخرين، خاصة لمن لهم احتياجات خاصة، والذين يطلق عليهم البعض «المعاقين»، هذه الكلمة قاسية جدًا على نفس الشخص الذي تنقصه مهارات لاستخدام كل ما منحه الله من إمكانات بالشكل الطبيعي والسليم، لا تكن أنت المعوِّق بتصرفاتك تجاه هؤلاء الأشخاص، عاملهم كأنهم أشخاص عاديون، لا يستطيع أحد أن ينكر احتياجهم للمساعدة، فلا تحاول إيذاء مشاعرهم بتوجيه الاهتمام المتعمد الذي يشعرهم بالحرمان من أي مهارة من المهارات الطبيعية التي أعطاها الله الإنسان

 

 «الدمج هو الحل»

ويرى أ.د.إبراهيم بن عبدالكريم الشهري، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية، حرصوا في الربع الأخير من القرن الماضي على أن يأخذ المعوّق نصيبه من الرعاية والاهتمام والحقوق والواجبات، فأصدرت الأمم المتحدة إعلان حقوق المعوَّقين عقليًا عام 1971م، وإعلان حقوق المعوَّقين عام 1975م، كما أعلنت العام 1981م العام الدولي للمعوّقين

وتشير الدراسات إلى تعدد أشكال وأساليب رعاية المعوّقين، والطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن بين هذه الأساليب التي حظيت بانتشار واسع في الكثير من دول العالم «أسلوب الدمج»

ومفهوم الدمج في جوهره مفهوم اجتماعي أخلاقي، نابع من حركة حقوق الإنسان في مقابل سياسة التصنيف والعزل لأي فرد بسبب إعاقته، بغض النظر عن العرق، والمستوى الاجتماعي، والجنس ونوع الإعاقة، فكلما قضى الطلاب المعوَّقون وقتًا أطول في فصول المدرسة العادية في الصغر، زاد تحصيلهم تربويًا ومهنيًا مع تقدمهم في العمر. ويؤكد إعلان الأمم المتحدة (1975) على حق الأشخاص المعوَّقين في التعليم والتدريب والتأهيل المهني والمساعدة والتوظيف، وغير ذلك من الخدمات التي تسرع بعملية إدماجهم، أو إعادة إدماجهم في المجتمع. ومؤتمر «سلامنكا» الذي عقد من قبل منظمة اليونسكو بالتعاون مع العديد من المنظمات الأهلية والتطوعية والحكومية، أطلق مبادرة المدرسة الجامعة أو التربية الجامعة، حيث أكدت عليها رسميًا عام 1988م باعتبارها قضية رئيسة للعمل المستقبلي، حيث نصت توصياتها على ما يلي

إن المسؤوليات المترتبة على التربية الخاصة تقع ضمن مسؤوليات الجهاز التربوي بكامله، ويجب ألا يكون هناك نظامان منفصلان لجهاز تربية واحد، فإذا نجحنا في إيجاد طريقة فاعلة لتعليم الأشخاص المعوّقين ضمن المدرسة العادية نكون بذلك قد وحدنا الأرضية الصالحة تربويًا لوضع مثالي لجمع التلامذة.

وعلى هذا الأساس عقد مؤتمر «سلامنكا» بإسبانيا في شهر يونيو عام 1994، وقد حضر هذا المؤتمر 300 شخص يمثلون (92) دولة و(25) منظمة دولية، وقد جاء فيه

- إن لكل طفل معوق حقًا أساسيًا في التعليم، ويجب أن يعطى الحق في بلوغ مستوى مقبول في التعليم والمحافظة عليه

- إن لكل طفل خصائصه الفريدة واهتماماته وقدراته واحتياجاته الخاصة في التعليم

- إن نظم التعليم يجب أن تعمم، وينبغي أن تطبق البرامج التعليمية على نحو يراعى فيه التنوع في الخصائص والاحتياجات

- إنَّ الأطفال المعوقين من ذوي الاحتياجات الخاصة يجب أن تتاح لهم فرص الالتحاق بالمدارس العادية التي ينبغي أن تهيئ لهم تربية محورها الطفل، وقادرة على تلبية تلك الاحتياجات

- إنَّ المدارس العادية التي تأخذ هذا المنحى الجامع هي أنجح وسيلة لكافة مواقف التمييز وإيجاد مجتمعات حقيقية، وإقامة مجتمع متسامح وبلوغ هدف التعليم للجميع

وإن هذه المدارس توفر فضلاً عن ذلك تعليمًا محميًا لغالبية التلاميذ وترفع من مستوى كفاءاتهم؛ مما يترتب عليه في آخر المطاف فعالية النظام التعليمي برمته.

وينبغي للدول أن تعترف بمبدأ المساواة في فرص التعليم في المرحلتين الابتدائية والثانوية، والمرحلة الثالثة، وذلك ضمن أطر مدمجة للمعوقين من الأطفال والشباب والكبار، وتكفل أن يكون تعليم الأشخاص المعوقين جزءًا لا يتجزأ من النظام التعليمي، وشروط هذه الأطر:

1- أن تكون السلطات التعليمية العامة مسؤولة عن تعليم الأشخاص المعوقين في أطر مدمجة، وينبغي أن يشكل تعليم الأشخاص المعوقين جزءًا لا يتجزأ من التخطيط التربوي وتطوير مناهج التعليم وتنظيم المدارس على الصعيد الوطني.

2- يفترض بين الشروط المسبقة للتعليم في مدارس النظام العام تقديم خدمات الترجمة إلى لغة الإشارات وسائر خدمات الدعم الملائمة. وينبغي توفير فرص الوصول وخدمات الدعم الوافية الرامية إلى تلبية احتياجات الأشخاص الذين يعانون من حالات عجز مختلفة

3- ينبغي إشراك المجموعات المؤلفة من الآباء أو الأمهات، ومنظمات المعوّقين في عملية التعليم على جميع المستويات

4- في الدول التي يكون التعليم فيها إلزاميًا ينبغي أن يُوفر التعليم الإلزامي للبنات والبنين المصابين بجميع أنواع ودرجات العجز بما في ذلك أشدها

5- ينبغي توجيه عناية خاصة إلى المجالات التالية

أ- الأطفال المعوقون الصغار جدًا في السن

ب- الأطفال المعوقون في مرحلة ما قبل الالتحاق بالدراسة

جـ- الكبار المعوقون، ولا سيما النساء

6- توخيًا لإدراج الترتيبات التعليمية الخاصة بالمعوقين في النظام التعليمي العام ينبغي للدول

أ- أن تكون لها سياسة معلنة بوضوح، ومفهومة ومقبولة على صعيد المدارس، وعلى صعيد المجتمع الأوسع

ب- أن تترك مجالاً لمرونة المناهج التعليمية، وللإضافة إليها ومواءمتها

جـ- أن توفر ما يلزم لتأمين جودة المواد، والتدريب المستمر للمعلمين، والمعلمين الداعمين

7- ينبغي النظر إلى التعليم المتكامل والبرامج المجتمعية على أنها تكميلية؛ لتزويد المعوقين بتعليم وتدريب فعاليْن من حيث التكلفة، وينبغي استخدام البرامج المجتمعية الوطنية؛ لتشجيع المجتمعات على استخدام وتنمية مواردها من أجل توفير التعليم المحلي للمعوقين

8- في الحالات التي لا يلبي فيها نظام المدارس العامة على نحو ملائم احتياجات جميع الأشخاص المعوقين، قد ينظر في توفير تعليم خاص يهدف إلى إعداد الطلاب للتعليم في نظام المدارس العامة، وينبغي أن تعكس نوعية هذا التعليم ذات المعايير والطموحات التي يعكسها التعليم العام، وينبغي أن يكون وثيق الارتباط به

9- ونظرًا لما للصم والبكم والمكفوفين من احتياجات خاصة في مجال التخاطب، فقد يكون من الأنسب توفير التعليم لهم في مدارس خاصة بهم، أو في صفوف ووحدات خاصة في مدارس النظام العام، وفي المرحلة المبدئية يلزم بصفة خاصة تركيز الاهتمام بوجه خاص على التعليم المتجاوب ثقافيًا؛ مما يؤدي إلى اكتساب مهارات تخاطب فعالة وتحقيق الحد الأقصى من الاستغلال لمن هم صم، أو بكم، أو مكفوفون

 

مرض القلب أشد

ويروي الدكتور سعيد بن غليفص، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، حينما قام بزيارة أحد الفضلاء في منزله، وفوجئ بأن معظم أولاده معوَّقون، وكان بالغ الحسن في معاملته معهم، وعدم تضجره منهم وعطفه وحنانه عليهم

وقال له: والله إنني لم أعرف السعادة والراحة، ولم أر النور في حياتي حتى أمتن الله عليّ بهؤلاء الأولاد المعوّقين

وذكر قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «إنما تُرزقون وتُنصرون بضعفائكم»، فهنيئًا لمن رزقه الله الصبر والاحتساب وحسن الظن بربه سبحانه، فكان حاملاً الخير للغير

ويضيف الدكتور بن غليفص: إن المعوق من أُعيق عن طاعة الله، ولا شك أنَّ مرض الجسد شديد، لكن مرض القلب أشد