تتنوع الأمراض التي تغير الإنسان وتتفاوت عادة في أثرها على بدنه، لكن هناك مرضًا قلبيًا يعتبر من أشد أمراض القلوب وأعظمها خطرا على صاحبه وعلى غيره، إنه الحسد، ذلك الداء العضال الذي لم يسلم منه أحد حتى الحاسد نفسه، كما قال صاحب المثل: قاتل الله الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله.
ونظرًا لخطورة هذا الداء وعظيم أثره على الحاسد نفسه في الدنيا والآخرة، وكذلك أثره على المحسود والمجتمع بعامة، تحدث بعض العلماء محذرين الأمة من هذا الداء العضال وما يكتنفه من مخاطر على الأبدان والقلوب وعلى الدين وعلى الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة.
بداية تحدث الشيخ د.سعيد بن غليفص القحطاني، إمام وخطيب جامع التويجري بالرياض، وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود فقال:
الحمد لله القائل في كتابه الكريم: «أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله» والصلاة والسلام على أطهر الناس قلبًا وأشرحهم صدرًا، وعلى آله وصحبه وبعد:
يعتني كثير من الناس بظواهرهم، ويغفلون عن الاعتنـاء ببواطنـهم، فتعــجب ممن يريد السعادة وهو يحمل في صدره جنازة، ويزداد العجب ممن يريد الرفعة وقد أظلمــت في جوفه تلك المضغة، يقول صلى الله عليه وسلم: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» وكما تعتل وتمرض الأجسـاد كذلك تعتل وتمرض القلوب، وهذا أشـد خطــرًا على صاحبه، حيثُ لا يكتشف من قبل الأطباء، ولا تكشفه الأجهزة الطبية.
داء الحسد من أشد الأمراض فتكًا بقلب الإنسان، بحيث يعيش صاحبه مهمومًا ومغمومًا إذا رأى نعمة أنعم الله بها على أحد من أقرانه أو معارفه أو غيرهم، ويشعر بالراحة والتشفي إذا حصل ضد ذلك لهم.
إن الحسد لا يخلو منه جسد، لكن هناك حسدًا مذمومًا، وهو تمني زوال النعمة عن المحسود، وحسد غبطة، وهو تمني تلك النعمة من دون زوالها عن المحسود، وهذا محمود.
إن من أعظم أسباب الشفاء من هذا الداء عظم الثقة بالله، والإيمان بالقضاء والقدر، ومعرفة حقيقة الدنيا وزوالها، قال تعالى: «يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم»، وإن مما لا ينتهي منه العجب إذا كان الحاسد ممن ينسب إلى أهل التقوى والصلاح:
إلى الماء يسعى من يغص بلقمة
إلى أين يسعى من يغص بماء
نسأل الله أن يصلح النية والطوية، وأن يهبنا ثواب المسعى إليه والقربى والحمد لله.
قلوب مريضة
ثم تحدث الشيخ حمود بن محسن الدعجاني، عضو الجمعية الفقهية السعودية، والداعية المعروف، فقال:
إن الحسد داءٌ خطير يصيب القلوب المريضة فيفسد الطاعة ويأكل الحسنات، والحسد معناه تمني زوال النعمة عن الغير، بخلاف الغبطة فإنها تمني حصول مثل ما عند المحسود من النعم والسعي لذلك من غير تمنٍّ لزوالها عن المحسود، وقد يطلق اسم الحسد ويراد به الغبطة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار، ورجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق» متفق عليه، ولا شك أن المنافسة والمسابقة في الخير مأمورٌ بها، كما قال تعالى: «فاستبقوا الخيرات»، وقوله: «وسارعوا إلى مغفرة من ربكم»، والحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، حيثُ حسد إبليس آدم عليه السلام، وهو من صفات الكفار، كما قال تعالى: «ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق» وقد حذر منه صلى الله عليه وسلم حيثُ قال: «ولا تحاسدوا» متفق عليه، فالواجب على المسلم أن يبتعد عن هذا الخلق الرذيل لما يحصل نتيجته من غضب الرب، وكثرة الهموم والغموم، وانخفاض المنزلة، ومقت الناس له ونفورهم منه، ولما فيه من الحرمان والخذلان والعياذ بالله، إذ لا يكاد الحاسد يظفر بمراد أو ينصر على عدو.
ومن أصابه شيء من الحسد، فليبادر إلى علاج نفسه بالتوبة إلى الله واللجوء إليه وكثرة ذكر الموت، أما المحسود، فعليه بالتعوذ بالله من شر حاسده، والتوكل عليه والصبر على حاسده والإحسان إليه ليطفئ نار الحاسد، نسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من الغل والبغضاء والحسد، ويرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.
داء وبيل
ثم تحدث الشيخ الدكتور يحيى بن علي العمري، عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالرياض فقال:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الحسد داء وبيل، ومرض خطير، يصيب النفوس الدنيئة والقلوب المريضة، وتعريف الحسد بإيجاز هو: تمني زوال النعمة عن الغير، والحاسد قد يسعى في زوالها عن المحسود وقد لا يسعى وكلاهما قبيح،
ويكفي أن نعلم قبح الحسد في أنه:
-1 أول ذنب عصي الله به في السماء حيثُ حسد إبليس آدم.
-2 أول ذنب عصي الله به في الأرض حيثُ حسد قابيل أخاه هابيل.
-3 من صفات بعض اليهود والنصارى، قال تعالى: «ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم».
-4 الحاسد متشبه بالشيطان في حسده لآدم.
-5 الحسد يضاد الإيمان بالله؛ لأن حقيقته الاعتراض على الله تعالى في حكمه وتقديره.
ومن أسباب الحسد ما يلي:
-1 بغض المحسود.
-2 فضل المحسود وعجز الحاسد عن إدراك فضائله.
-3 العداوة.
-4 الكِبْر.
-5 الخوف من فوات المقاصد.
-6 حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه.
ومن مضار الحسد:
-1 كثرة الهموم والغموم.
-2 انحطاط المنزلة، كما قيل الحسود لا يسود.
-3 مقت الناس له.
-4 الحرمان والخذلان.
وأما علاج الحسد:
-1 اللجوء إلى الله تعالى أن يحميه من هذا الداء العضال.
-2 العلم النافع يعرف حرمة هذا الجرم العظيم.
-3 يقضي على أسباب الحسد بعمل أضدادها.
-4 كثرة ذكر الموت، قال أبو الدرداء: ما أكثر عبد ذكر الموت إلا قل فرحه وقل حسده.
نسأل الله تعالى أن يزكي نفوسنا، وأن يهدينا لأحسن الأقوال والأعمال والأخلاق، وأن يجنبنا مساوئ الأخلاق