يبدأ الأطفال الصغار الكلام حينما يتعرفون إلى مفردات جديدة كل يوم، فتصبح أحاديثهم جميلة يتشوق الآباء لسماعها، ولكن يحدث أن يجد الآباء أطفالهم في مرحلة ما بدأوا يتحدثون مع أنفسهم، يحكون معها القصص والحكايات، ومرات يتطور الأمر ويتصاعد إلى درجة أنهم يجلسون ويلعبون مع شخصيات خيالية وكأنهم أصدقاء، أو تسمعهم يتحدثون ويثرثرون دون هدف محدد ودون رغبة في التواصل، وغالباً ما يبدأ هذا في بداية العام الثاني، ويصل إلى ذروته بين الثالثة والخامسة، وأحياناً يستمر الحال حتى 8-10 سنوات.
وهنا تؤكد الدكتورة فاطمة الشناوي استشاري الطب النفسي، أن الأمر طبيعي، ولا يشير إلى وجود أي مشكلة، ومعها نتعرف إلى أسباب كلام الطفل مع نفسه وما هي مواصفات ذلك الصديق الوهمي الذي ينسجه خيال الطفل، وهل من طرق للعلاج؟
أسباب كلام الطفل مع نفسه

الطفل يتكلم مع نفسه أو مع صديقه الوهمي لعدة أسباب، معظمها مفيدة له، ولا تعبر عن أي مشكلة:
- طفلك يتدرب على استخدام اللغة؛ يتدرب على الكلام كما يتدرب على الحبو والمشي، ويستخدم المصطلحات التي تكررت على آذانه، ويقوم بتوجيه الأوامر والكلام الذي توجهينه أنتِ له طوال اليوم للألعاب.
- يتحدث طفلك مع نفسه ليهدأ في وقت الضغط والأزمات، فيصبح أكثر قدرة على السيطرة على مشاعره وسلوكه خلال الأوقات الصعبة؛ كأن يجلس وحده كثيراً، أو حينما يشعر بغياب أمه عن البيت لفترات.
- علمياً الطفل من عمر الثانية يبدأ التخيل وخلق عالم افتراضي من ألعابه المحشوة، بل يقضي وقتاً طويلاً في الحديث مع نفسه وألعابه، ما يمهد له التعامل مع الأشخاص الحقيقيين بعد ذلك.
- بينما الصديق الخيالي للطفل يُعد تطوراً طبيعياً وصحياً لمخيلة الطفل، فالتخيل يمده بطرق عديدة ومفيدة للتعبير عن مشاعره، مع وجود مواصفات خاصة لهذا الصديق الخيالي للطفل.
من هو الصديق الخيالي للطفل؟

- الصديق الخيالي هو صديق وهمي يقوم الطفل بتخيله عن طريق مخيلته، حيث إن اثنين من كل ثلاثة أطفال يملكون صديقاً وهمياً، بمعنى أن الأمر طبيعي جداً ولا يسبب القلق.
- الصديق الخيالي للطفل قد يكون بأي شكل وحجم، من الممكن أن يكون شبيهاً لطفل يعرفه، أو لعبة يُحبها أو قد يكون مجرد خيال لا غير؛ وهو يأتي بشكل متفاوت، فيتذكره الطفل تارة ويختفي تارةً أخرى.
- قد يأتي في أماكن محددة، مثل: المطبخ أو غرفة الطفل، ويبدأ الطفل بتخيل هذا الصديق الخيالي عند بلوغه الثانية من عمره تقريباً، ومن الممكن أن يبقى معه لعدة أشهر وصولاً لثلاث سنوات لأقصى حد.
- وسبب تخيل الطفل لهذا الصديق الوهمي يرجع لرغبته في وجود شخص يسمعه ويدعمه، أو لرغبته في وجود طفل يلعب معه، أو لرغبته بامتلاك قوة خارقة لا يُمكن فعلها إلا عن طريق هذا الصديق الوهمي خارق القوة.
- وأحياناً كثيرة يتخيل هذا الصديق لرغبته بالحصول على شيء مميز ولا يُحب مشاركته مع الآخرين، أو وجود شخص لا يحكم عليه أو يؤنبه، وهنا على الأهل أن يعرفوا أن الطفل مسؤول عما يقوله صديقه الوهمي ويفعله ويلعب معه.
كيفية تعليم الأبناء طرق اختيار الصديق: تعرفي إليها داخل التقرير
دور الأم: التعامل وليس الاهتمام المفرط

في هذا الشأن تعاون 3 باحثين متخصصين في نمو الطفل من قسم علم النفس في كلية بوسطن، وكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ولاية يوتا في دراسة؛ لاكتشاف أسباب انتشار الاضطرابات العقلية والنفسية بين الأجيال الجديدة، وكانت النتائج مقلقة.
- أشارت النتائج إلى أن انتشار اضطرابات الصحة العقلية بين الأطفال، نتيجة لزيادة اهتمام الوالدين بالطفل، والمتابعة المفرطة لنشاطه، ما أدى لتراجع فرص الطفل في اللعب والتجول، والمشاركة في أنشطة مستقلة عن مراقبة البالغين.
- على الرغم من حسن النية، فإن دور الأم في التوجيه والحماية، قد يصيب الطفل بالقلق، والاكتئاب، لذلك يُنصح بزيادة فترات النشاط المستقل للطفل كلما تقدم عمره، بجانب توجيهه لتقديم مساهمات هادفة لأسرته، ليشعر بأنه شخص قادر على التعامل مع العالم الحقيقي.
- وينصح الباحثون بممارسة الطفل لألعاب تنطوي على درجة من المخاطرة والمسؤولية، بعيداً عن مراقبة البالغين، ومنها: تسلق الشجر، القفز العالي، اللعب مع الحيوانات الأليفة، والتسلق بالحبال، وجميعها ألعاب تحمي الطفل من الإصابة بالرهاب والقلق.
اختبار: كيف تكتشفين ملامح شخصية طفلك؟ تابعي التفاصيل داخل التقرير
خطوات للتعامل

- لا تقاطعي طفلك الذي يتحدث مع نفسه؛ حديث الطفل مع نفسه ليس مشكلة تحتاج إلى علاج، بل على العكس قد يساعد على تطور اللغة وتنمية الخيال لديه، وقد يساعده على مقاومة الضغوط النفسية.
- عدم قطع حديث الطفل التخيلي مع نفسه، بل مجاراته؛ قولي له هل يمكن أن تخبر دميتك أن وقت النوم قد حان، ولكن إذا شعرت بأن طفلك يحدث نفسه لأوقات طويلة، أدخلي معه اللعبة وتواصلي معه والعبي.
- أدخلي معه اللعبة إذا كان حديث طفلك مع نفسه ظهر بعد تعرضه لصدمة؛ كحادث أو فقد أحد الأقارب، ويمكنكِ استشارة طبيب متخصص، وتذكري أن الطفل المصاب بالتوحد يميل إلى أن يكلم نفسه أحياناً، وليس معنى أن طفلك يكلم نفسه أنه مصاب بالتوحد.
- استشيري طبيب أطفال في أسرع وقت، وسيخبركِ الطبيب إذا كان طفلك يعاني من مشكلة أم لا، إذا كانت لديكِ أي مخاوف من كلام طفلك مع نفسه.
العلاج وقت الخطر

في حالة وصول طفلك إلى مرحلة الثرثرة بالكلام مع نفسه، في عمر الثامنة أو العاشرة، حاوريه حول مشكلته وأخبريه أنها سلوك مرفوض، وبعزلته سيفقد الكثير من الصداقات.
اسأليه أسئلة تجبرينه فيها على الإجابة بنعم أو بلا، واسمعي منه حاجته حتى تعوضيه نقصه، وحتى تشبعيه عاطفياً واجتماعياً ونفسياً.
أشغلي وقت فراغ طفلك بالأعمال المفيدة، ومن ذلك المساعدة في أعمال البيت، والأعمال التعاونية مع إخوته.
اجعليه أحياناً يتكلم ويثرثر من دون إعارته أي اهتمام، ولكن وجهيه بلطف وحكمة بالانضباط، فضلاً عن عدم تشجيعه، هناك دراسة أظهرت أن الاهتمام المفرط يسهم في انتشار اضطرابات الصحة العقلية بين الأطفال والمراهقين من الجيل الحالي.