mena-gmtdmp

فاتن حمامة الحاضرة الغائبة في وجدان ابنتها نادية ذو الفقار.. وحكايات لا تنتهي

نادية ذو الفقار - الصورة خاصة بـ سيدتي
ابنة فاتن حمامة نادية ذو الفقار - الصورة خاصة بـ سيدتي

رغم مرور أكثر من عشر سنوات على رحيلها، لا تزال فاتن حمامة، سيدة الشاشة العربية، حاضرة بأدائها الاستثنائي، بأناقتها ورقتها، في ذاكرة محبيها وفي وجدان ابنتها نادية ذو الفقار، التي اختارت الصمت الإعلامي طيلة سنوات، قبل أن تفتح قلبها في هذا الحوار الحصري، لتكشف عن محطات من حياة والدتها، لم تُروَ من قبل.
في هذا اللقاء، تبوح نادية بكل ما تحتفظ به ذاكرتها من تفاصيل عن طفولتها، علاقتها بوالديها، وعن الفنان العالمي عمر الشريف، وأسرار عائلية، ووجهات نظر فاتن حمامة حول الفن والحياة.

لا أحب الإعلام.. وأمي كانت مثلي

فاتن حمامة
نادية ذو الفقار - الصورة خاصة بـ سيدتي

 

لماذا اخترتِ الصمت طوال هذه السنوات؟

منذ صغري، أنا وأخي طارق لا نحب الإعلام أو الظهور أمام الكاميرات أو إجراء أي مقابلات، حتى في حياة والدتي، وبعد وفاتها. كنا نؤمن أن ما كتب عنها كافٍ، فهي قدمت ما يكفي من العطاء. أمي نفسها لم تكن تحب الحديث عن حياتها الخاصة، وحتى المذكرات التي سجلتها لقناة أوربت مع الإعلامي وجدي الحكيم في أوائل التسعينيات، اقتصرت فقط على مشوارها الفني.

ولماذا قررتِ الحديث الآن؟

لأنني أحببت أن أخص "سيدتي" بهذا الحوار، فهي من المجلات والمواقع الصحفية العريقة التي تحظى بالمصداقية.

رفض تجسيد قصة فاتن حمامة درامياً

فاتن حمامة
ابنة فاتن حمامة نادية ذو الفقار  - الصورة خاصة بـ سيدتي


هل تفكرين في تقديم مسلسل عن حياتها؟

أبداً. أرفض تماماً تجسيد حياتها في عمل درامي، احتراماً لرغبتها هي. أمي لم تكن ترغب في مشاركة تفاصيل حياتها الخاصة مع الجمهور. وهي كانت ترى أن ما قدّمته في أفلامها يكفي. ومن وجهة نظري، لم تنجح مسلسلات السير الذاتية التي قُدمت مؤخراً سوى مسلسل "أم كلثوم".

أمي كانت ممثلة رائعة تعيش شخصياتها

كيف كنتِ تنظرين إليها كممثلة؟

كانت أمي ممثلة رائعة وعظيمة، تعيش شخصياتها التي تؤديها وتذوب معها. أحياناً كنت أسأل نفسي: ما هذه الموهبة؟ ما هذه العبقرية في الأداء؟ ومن أبرز أعمالها التي أثرت فيّ كثيراً، مسلسل "ضمير أبلة حكمت"، و أفلامها "أريد حلاً"، "يوم حلو ويوم مر"، وغيرها من الأعمال التي جعلتها واحدة من أبرز رموز الفن في الوطن العربي.

"الحرام" و"دعاء الكروان".. الأحب إلى قلبها

فاتن حمامة
نادية ذو الفقار - الصورة خاصة بـ سيدتي


ما هي الأفلام الأقرب إلى قلبها؟

كانت تحب فيلم "الحرام" و"دعاء الكروان" بشدة. أما أنا، فأحب كل أفلامها، لكن لديّ مكانة خاصة لفيلم "بابا أمين". كانت خفيفة الظل جداً فيه، كما كان الفنان يوسف وهبي رائعاً. رغم عبقريتها في "بين الأطلال" و"نهر الحب"، لا أستطيع مشاهدتهما لأنني أبكي كثيراً.

ذكريات الطفولة بين الاستوديوهات والعرائس

كيف كانت طفولتك مع أمك؟

كانت مشغولة دائماً، خاصة في فترة طفولتي. كانت تصحبني إلى الاستوديوهات لأقضي بعض الوقت معها ومع والدي المخرج عز الدين ذو الفقار. كنت ألعب في الكواليس، وأجلس معها أثناء الاستراحات. كنت أشعر أنها أختي، فالفارق العمري بيننا كان بسيطاً. لم أكن أدرك أنني أمثل أمامها في فيلم "موعد مع السعادة"، بل شعرت أننا نمارس حياتنا العادية. كنت أنتظر انتهاء الدراسة لأبقى معها أكثر.
كنا نمارس الرياضة سوياً صباحاً، تلعب معي بالعرائس، وتلتقط لي الصور. أحياناً كانت تسمح لي بمساعدتها في المطبخ.
"سيدتي" في منزل عبد الحليم حافظ مع المخرج محمد كمال الشناوي

هكذا كانت تقضي أمي يومها

نادية ذو الفقار - الصورة خاصة بـ سيدتي
 نادية ذو الفقار - الصورة خاصة بـ سيدتي


كيف كانت تقضي فاتن حمامة يومها؟

أمي كانت تبدأ يومها مبكراً، حيث تمارس تمرينات رياضية، ثم تتصل بنا في حال وجودنا في مصر، أنا وأخي طارق. كنا نلتقي أو تلبي دعوات الغذاء مع أصدقائها، كانت تحب أن تقضي وقتاً أمام التلفزيون، تشرب قهوتها، وأحياناً تستمع إلى الموسيقى في الحديقة. كانت تحب البساطة، وتنام مبكراً. وكانت دائماً ما تتصل بشقيقاتها لتطمئن عليهن، فهي كانت الأخت الكبرى لهن. حزنت كثيراً عند وفاة شقيقتها ليلى، فقد كانت بمثابة الأم الثانية لشقيقاتها بعد رحيل والدتهن.

والدي كان رومانسياً وأمي واقعية

وماذا عن ذكرياتك مع والدك؟

والدي عز الدين ذو الفقار كان حنوناً ورومانسياً. أذكر أن أمي لم تكن مقتنعة بفيلم "بين الأطلال" لأنه كان رومانسياً جداً، وكانت تقول له: "لن يصدقنا أحد" لكنه أقنعها، ونجح الفيلم. أمي كانت واقعية وعقلانية، بعكس والدي تماماً.

عن الانفصال والزواج من عمر الشريف

كيف كانت حياتك بعد طلاق والديك؟

انفصلت أمي عن والدي وأنا في سن ثلاث سنوات، وتزوجت عمر الشريف وأنا في الرابعة. كان عمر بمثابة أبٍ ثانٍ لي، حنوناً، طيب القلب، يحب اصطحابي، يشتري لي الألعاب، ويسافر معنا. لم أشعر أبداً أنه غريب عني. وعندما وُلد أخي طارق، كنت في السابعة، ولم أشعر إطلاقاً بوجود فرق في المعاملة.

كيف كان تعامله معكِ ومع طارق؟

كان يُحبنا كثيراً، وكان هو وأمي يطلبان مني أن أعتني بطارق، خاصة في غيابهما. وفعلاً، ربطتنا علاقة قوية منذ الصغر.

أمي كانت تعرف التقاليد الشرقية جيداً

كيف كانت أمي تتعامل مع العادات والتقاليد؟

أمي كانت تعرف التقاليد الشرقية جيداً. بالرغم من أن الفنان عمر الشريف كان يذكر دائماً في حواراته مدى حبه وتقديره واحترامه لها، إلا أنها كانت تتحفظ في الحديث عنه. ذات مرة، غضبت من الصحافة عندما سألها أحد الصحفيين عن علاقتها به، رغم أن علاقتهما كانت جيدة. أمي كانت سيدة متزوجة، وكانت تحترم العادات والتقاليد الشرقية. كانت تعرف أنه لا يصح أن تتحدث عن زوجها صراحة، خاصة إذا كان زوجاً سابقاً، وكانت دائماً تفضل الحفاظ على خصوصيتها.

لم تفكر في العودة للفن قبل رحيلها

لماذا لم تفكر فاتن حمامة في العودة للفن قبل رحيلها؟

أمي كانت تقول لي دائماً: "الناس تغيرت، والدنيا اختلفت، وأنا تعبت وأريد أن أستريح". كانت تشعر بأنها قد قدمت ما يكفي خلال مسيرتها الفنية، وأنها بحاجة إلى الراحة بعد سنوات طويلة من العطاء.
ما رأيك بالاطلاع على هذا اللقاء مع إيمان ذو الفقار ابنة مريم فخر الدين

سنوات المراهقة.. والرحلة إلى سويسرا

فاتن حمامة مع والدتها وابنتها نادية ذو الفقار- الصورة من نادية ذو الفقار 


كيف كانت علاقتك بأمك خلال مراهقتك؟

كنت في الخامسة عشرة عندما توفي والدي، ثم سافرنا إلى إسبانيا مع بداية عمل عمر الشريف في السينما العالمية، والتحقنا أنا وطارق بمدرسة داخلية في سويسرا. أمي كانت حازمة جداً، وتركّز على أهمية السمعة الطيبة والعمل الجاد. كانت تكره التدليل، وكنت دائماً أدافع عن طارق عندما كان يشتكي من مدرسته الجديدة في إنجلترا. عندما طلب الانتقال منها، قالت أمي: "بلاش دلع فاضي". وفعلاً، تخرج فيها ونجح في حياته.

لم يتزوج عمر الشريف بعد أمي

هل تعتقدين أن عمر الشريف أحب والدتك حتى النهاية؟

أظن أنه لم يجد من تحقق له الاستقرار بعد أمي. تعوّد على العيش وحده. لكن ما بقي بينهما بعد الطلاق هو الاحترام والتقدير.

كنت سكرتيرة عمر الشريف

هل عدتِ مع والدتك إلى مصر بعد الانفصال؟

لم أعد معها، لأنني كنت أعمل سكرتيرة لعمر الشريف، بينما كان طارق لا يزال طالباً. تعلّمت منه الكثير، التقيت بكبار الشخصيات من خلاله، وكان لا يبخل عليّ بأي نصيحة. أكثر ما أحزنني هو مرضه في أيامه الأخيرة، ووفاته في العام نفسه الذي توفيت فيه أمي عام 2015. لقد فقدناهما معاً، وكان ذلك قاسياً جداً.

الدكتور محمد عبد الوهاب: الرجل الذي كان السند

الحديث عن حياتها الشخصية لا بد أن يشمل أيضاً زوج والدتها الراحل، الدكتور محمد عبد الوهاب، الذي كان لها بمثابة الأب الثاني. «كان طيب القلب، وكان يحب أمي جداً. كان يحترمها ويعزها كثيراً، وكان يعاملها بكل تقدير»، تذكر نادية. كانت العلاقة بين الدكتور عبد الوهاب ووالدتها فاتن حمامة مثالاً للعلاقة الراقية التي تستند إلى الاحترام المتبادل والحب. "كان بالنسبة لأمي السند، الأخ، الصديق، والزوج المثالي. أحبها وكان دائماً يسعد بنجاحاتها الفنية"، تضيف نادية.
الدكتور محمد عبد الوهاب، الذي كان الطبيب الشهير، حافظ على احترامه لوالدتها طوال أكثر من 40 عاماً من الزواج، حتى وفاتها. كان حريصاً على متابعة صحتها بعد أن خضعت لعملية قلب في بداية التسعينيات، وكان يطمئن عليها بشكل دائم. نادية تشير إلى أن «رغم أن الأعمار بيد الله، كنت أشعر أنه لن يعيش طويلاً بعد وفاتها، وكان رحيله في السنوات الأخيرة سبباً لحزن كبير في قلبي».

علاقة الدكتور محمد عبد الوهاب بعمر الشريف

من بين أبرز الشخصيات التي كانت جزءاً من دائرة حياة نادية ووالدتها كان النجم العالمي عمر الشريف. كان الدكتور محمد عبد الوهاب يعامل عمر الشريف بلطف واحترام، حيث كانت العلاقة بينهما قائمة على الاحترام المتبادل. «كانت علاقة طيبة جداً»، تقول نادية. «كانا يلتقيان في المناسبات العائلية مثل احتفالات عيد ميلاد الأحفاد، وكان بينهما دائماً حوار لطيف يعكس علاقة الصداقة والاحترام بينهما».
وعن والدتها، تضيف نادية: «كانت أمي تحترم عمر الشريف احتراماً شديداً، وكانت تربطهما علاقة صداقة قوية على مر السنوات».
ما رأيك أيضاً الاطلاع على هذا اللقاء مع الفنانة ميرفت أمين

ابنتي أعادت لها الأمومة

كيف كانت علاقتها بأحفادها؟

ابنتي كانت قريبة منها جداً، عاشت معها الأمومة التي لم تعشها معي بسبب انشغالها سابقاً. بعد عودتي من الخارج، عشنا معاً في شقة بعمارة "ليبون" بالزمالك. كانت تهتم بأخبار ابنتي ودراستها بالمدرسة الفرنسية التابعة للسفارة.

فاتن حمامة في البيت.. لا مكان للسينما

هل كانت تتحدث عن أفلامها في المنزل؟

أبداً. لم نكن نتحدث عن السينما في البيت. كانت تفصل بين العمل والحياة الأسرية تماماً. لم تكن تسألنا رأينا في أدوارها، بل تترك لنا حرية التعبير بعد مشاهدتنا.

علاقتها بزميلات الجيل الذهبي

كيف كانت علاقتها بنجمات جيلها؟

كانت تُكنّ تقديراً كبيراً للفنانة شادية، وتحترم قرارها بالاعتزال. أحبّت سعاد حسني واعتبرتها موهوبة جداً، وكانت ترى أن لكل فنان بصمته. لم تحقد يوماً على نجاح أحد، بل كانت تفرح لهن.

هل كانت هناك خلافات مع هند رستم؟

أبداً. على العكس، كانت تحبها وتقدّرها، ولم تكن بينها وبين أي فنانة خلافات، لا في جيلها ولا في الأجيال التالية.

سيدتي: من أكثر فنانة شابة كانت تؤمن بموهبتها؟

نادية: كانت تؤمن بموهبة الكثيرات، لكنها كانت تحب نيللي كريم كثيراً، وتتابع أعمالها بإعجاب.

أجمل هدية من والدتي.. فستان من سفرها

ما الهدية الأقرب إلى قلبك من والدتك؟

كل الهدايا التي كانت تجلبها لي من سفرها كانت رائعة، خاصة الملابس. كانت تتمتع بذوق رفيع، وعلّمتني البساطة في الملبس. أما أجمل هدية قدمتها أنا وابنتي لها فكانت "قلب" أحمر، وقد أسعدها كثيراً.

منى ذو الفقار.. أخت لا ابنة عم

ما علاقتك بالمحامية منى ذو الفقار؟

منى هي ابنة عمي، ابنة صلاح ذو الفقار، وأعتبرها أختي المقربة.
بهذا الحديث الصادق، تكشف نادية ذو الفقار وجهاً آخر لسيدة الشاشة العربية، ليس من خلال أفلامها، بل من داخل بيتها، من تفاصيل يومياتها، من مشاعر ابنتها التي لم تخفت رغم مرور السنوات. "من يرحل لا يموت"، تقول نادية. هكذا تبقى فاتن حمامة: حية في القلوب، خالدة في الذاكرة.
إليك أيضاً ناهد طاهر شاكر: شادية كانت عمتنا ووالدتنا وصديقتنا.. وهذه حكايات لم تُروَ من قبل