mena-gmtdmp

فاروق وسمية: قصة حب لم تنتهِ.. سمية الألفي في حوارها الأخير للصحافة مع "سيدتي"

سمية الألفي وفاروق الفيشاوي
سمية الألفي وفاروق الفيشاوي "الصور من المصدر"

رحلت أيقونة جيل السبعينات والثمانينات في الدراما التليفزيونية، رحلت الفنانة سمية الألفي منذ ساعات قليلة، بعد صراع مع مرض السرطان. رحلت صاحبة أهم الأدوار المركبة، والتي قدّمتها على مدى سنوات في أهم المسلسلات: ليالي الحلمية، الراية البيضاء، العطار والسبع بنات، وغيرها. رحلت وقلبها مازال مليئاً بحب عمرها، زوجها الفنان الراحل فاروق الفيشاوي، والذي ظل وفاؤها وحبها له ساكناً لا يتحرك من قلبها؛ حتى بعد انفصالها وزواجها بالمخرج جمال عبدالحميد، والمطرب مدحت صالح، ثم تنفصل عنهما. ثم تعود مرة أخرى، ليست الزوجة، ولكن الحبيبة، والأم، والأخت للفيشاوي؛ حتى رحل الفيشاوي أبو أولادها: الفنان النجم أحمد الفيشاوي، والمونتير عمر الفيشاوي.

«سيدتي» كان لها السبق في محاورة سمية الألفي، الحوار الأخير لها في الصحافة؛ لتتحدث عن فاروق الزوج والحبيب والصديق وأبو أولادها، وكان ذلك في سبتمبر 2019.

حاورناها في منزل فاروق الفيشاوي، في مزرعته الخاصة، وجلسنا في الأماكن المحببة له، وها نحن نسترجع ما قالته لنا عن حب عمرها، ولم تقله لأيّة مطبوعة صحفية غيرنا.

سمية الألفي والصحفية هبة خورشيد أثناء الحوار في 2019 "تصوير محمد العربي"

كلّ ركن في المزرعة يشع بهجة وتفاؤلاً، وأيضاً حزناً على صاحبه، في اليوم الأخير لفاروق الفيشاوي في مزرعته، تجوّل فيها، وكما يقول الجنايني: "فاروق بيه كان يشع حيوية وبهجة، وكانت عيناه تلمعان"، وكأنه الوداع الأخير قبل ذهابه إلى المستشفى.

قال لنا الجنايني: "لم أقبّل في حياتي يداً غير يد أبي وجدّي، لكن في ذلك اليوم قبّلت يد فاروق، بك، كما أناديه، ثم قبّل رأسي".

داخل منزل فاروق الفيشاوي، في مزرعة آل الفيشاوي، استقبلتنا حبيبة العمر الفنانة سمية الألفي (التي اعتزلت الفن في عام 2003).

ترتدي الملابس السوداء على فراقه، وتعيش مع ابنها الثاني عمر فاروق الفيشاوي، بعد انتقالها للإقامة معه في المزرعة بعد وفاة والده؛ حيث كان مرافقاً له في سنواته الأخيرة، وبالأخص شهور مرضه بالسرطان.

فتحت قلبها، وتحدثت عن الأيام الأخيرة في حياته، وعن أسباب طلاقهما، وكيف ندمت على هذا القرار، وسر حبها لسهير رمزي في فترة زواجها من فاروق الفيشاوي، وعن نصائحه لها، ولماذا كان فاروق الفيشاوي سبباً في طلاقها من مدحت صالح، وحكايات وأسرار تحكيها لنا سمية الألفي عن فاروق الفيشاوي.

قصة وفاء وحب مستمر رغم الانفصال والزواج من آخرين

سمية الألفي- الصور من المصدر

في البداية قالت لنا: "لم نفترق أبداً منذ طلاقنا في عام 1989؛ بل أصبحت علاقتنا أكثر قوة وعمقاً. فأصبح فاروق أخاً وحبيباً وصديقاً وأباً لي، وكان أحياناً كثيرة يقيم لي أيام ميلادي في المزرعة الخاصة به، إلى جانب سفرنا مع الأولاد إلى بلاد كثيرة، وقد حرَص فاروق على تخصيص غرفة لي في مزرعته أقيم بها أحياناً ولمدة طويلة".

كنتما نموذجاً للرقي والحب الحقيقي في علاقتكما بعد الانفصال. لو عدنا للماضي وتذكرنا المشهد الأول بعد الطلاق، فماذا تتذكرين؟

أتذكر هذا المشهد بكلّ تفاصيله

يوم ذهابنا للمأذون ليتم طلاقنا، كانت أمي في المطبخ تطهو لفاروق وجبته المفضلة (بامية باللحمة الضاني)، وكانت تعتبره الابن الأكبر الذي تحبه حباً كبيراً. وبعد أن تم الطلاق، عدنا للمنزل وتناول معنا وجبة الغداء، وكأن شيئاً لم يحدث، حياة طبيعية جداً، نضحك ونتكلم.

كنت أسامحه لأنني أحبه

ما الأحاسيس التي كانت بداخلكِ بعد الطلاق وفي هذا الموقف بالتحديد؟

كان بداخلي حالة من حالات الغضب، وكنت أسأل نفسي: "لماذا لم نبذل مجهوداً أكبر ونتحمل الأخطاء؟ لماذا كنت أسامحه على نزواته العاطفية؟"

كنتُ أسامحه لأنني أحبه حباً كبيراً، وهو أيضاً. ولكن فاروق كان ضعيفاً أمام النساء. كنت أغضب، أحزن، لكن لم يقِل حبي له أبداً؛ بل بالعكس كان يَزيد.

وعندما كنت أسأله: هل ينقصك شيء؟

يقول لي: "أبداً، أنا أحبك كثيراً يا سمية".

فاروق كان ابن بلد، جدعاً، وكريماً كرماً ليس له حدود، طيب القلب جداً، ولكن من عيوبه أنه مثل الطير المهاجر، يحب الحرية ولا يريد أن يبقى في مكان واحد، "يكره الاستقرار".

أعترف بأنني ندمت على طلاقي منه، لكن حياتنا كانت من الصعب أن تستمر كزوجين.

شعرت في لحظة بأنني أدور في حلقة مفرغة، أريد حياة مستقرة، وللأسف لم أجدها مع فاروق. فقد كان منزلنا يسهر لساعات الصباح الأولى، ومن الصعب بعدها بساعة أن يستيقظ أبنائي معي للذهاب للمدرسة والمذاكرة لهما بجانب عملي، نظام حياة كان يجب أن يكون فيه البيت مستقراً وهادئاً.

فقررنا معاً الانفصال. كان أحمد يبلغ من العمر 8 سنوات، وعمر سنتين. تحملت كثيراً بسبب حبي لفاروق، ولكن يأتي وقت لا تتحمل فيه أخطاء الآخرين.

في حوار خاص مع «سيدتي» سميرة أحمد تكشف أسرار مشوارها الفني وذكريات الزمن الجميل

أسباب حبها الكبير لفاروق

سمية الألفي وفاروق الفيشاوي- الصور من المصدر

فاروق اجتمع على حبه كلّ الناس. لم يعرف قلبه الكره أبداً، وعندما كان يغضب من أحد، كان يصالحه على الفور.

وهناك أشياء مشتركة كثيرة بيني وبينه كانت سبباً في هذا الحب الكبير بيننا. فأنا لم أحب فاروق وأنا في أول عام من الجامعة؛ لأنه شخص وسيم أو لأنه أهداني باقة من الورد، ولكني أحببته لأن أفكارنا ومبادئنا متوافقة. فقد قدّمنا معاً مسرحيات في حب مصر حين تعارفنا عام 1972، وتزوجنا بعدها بعامين. جمع بيننا أيضاً حب الوطن؛ حيث شاركنا في حركات طلابية ثورية. كنت أدرس في كلية الآداب جامعة القاهرة، قسم اجتماع، وكان فاروق يدرس في كلية الآداب، قسم لغات شرقية، في جامعة عين شمس، وفي الوقت نفسه كان طالباً في معهد الفنون المسرحية. إلى جانب أننا كنا نحب القراءة ونتبادل الكتب معاً.

الدعم الفني والتقدير المتبادل

هل فرض عليكِ الزواجُ من فاروق الفيشاوي اختيارات محددة في أدواركِ السينمائية؟

أبداً. لم يُملِ فاروق الفيشاوي عليّ أيّ شروط في أدواري بالسينما؛ لأنه مؤمن بأن كلاً منا له شخصية فنية مستقلة. أتذكر أنه عرض عليّ المخرج سعد عرفة فيلماً أمام حسين فهمي، وأنا في بداياتي وكنت وجهاً جديداً بعد أن شاهدني على مسرح الريحاني، وكان به بعض المشاهد التي أرفضها. وبالفعل أخذتُ رأي فاروق في الدَور؛ فقال لي: لكِ مطلق الحرية في قبول العمل أو رفضه، وهذا قرارك. ورفضت الفيلم ولم أندم على ذلك. وعلى العكس، كان فاروق الفيشاوي يقدّم هذه المشاهد وكنتُ أتقبلها.

ما هو أحب أدواركِ لقلب فاروق الفيشاوي؟

كل أعمالي مع الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، ومسلسل "بوابة الحلواني" للراحل الكبير محفوظ عبدالرحمن، وشخصية الحاجة سيدة في "العطار والسبع بنات" للكاتب مصطفى محرم؛ فكان فاروق معجباً بالشخصية جداً وتطورها الدرامي وبأدائي لها.

الأبوّة بعد الطلاق

سمية الألفي وولداها- الصور من المصدر

هل كان يشارككِ في تربية ابنيه بعد الطلاق؟

طبعاً، كان أباً شديداً جداً، وأحياناً كثيرة كنت أستنجد به في بعض المواقف التي يجب أن يتدخل فيها بالنسبة للأولاد. وكان فاروق يعاقب أحمد عندما تأتي شكاوى منه من المدرسة. أما عمر فهو هادئ جداً، وتصرفاته على العكس من تصرفات أحمد. فاروق وأنا غرسنا في ولدينا أن نجاحهما وقيمتهما في الحياة بما يصنعانه، وليس لأنهما أولاد نجوم، بدليل أنه عندما قدّم أحمد نفسه في اختبارات لدور ابن سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة في مسلسل "وجه القمر"، قدّم نفسه باسم أحمد فاروق، ونجح في المسابقة، وأثنت عليه فاتن حمامة وعلى أدائه، واختارته لأداء دَور ابنها في المسلسل من دون أن تعرف أنه ابن فاروق الفيشاوي.

كيف كانت علاقتك بزوجات فاروق الفيشاوي؟

كنت أحب سهير رمزي جداً؛ لأنها سيدة فاضلة كانت تحب ولديّ وتعاملهما مثل أبنائها، وخاصة عمر؛ لأنه كان يبلغ من العمر عامين عندما تزوج فاروق سهير رمزي. فكانت تُحضر الألعاب لعمر، وتتعامل مع أحمد بلطف شديد، وتراعي استقلالية شخصيته، وتسأله عن رأيه في أيّ شيء يخصه. وكنت أحبها لحرصها الشديد على سعادة فاروق ومحبتها الكبيرة له.

أما نوران، الزوجة الأخيرة لفاروق؛ فكانت من اختيار المرحومة أمي، وكانت علاقتي بها طيبة، وأقابلها بترحاب شديد حتى الآن.

ما رد فعل فاروق على زيجاتك؟

رغم زواج فاروق أكثر من مرة، إلا أن رد فعله كان مفاجأة حين تزوجت المطرب مدحت صالح؛ فقد حزن كثيراً؛ لأنه كان يعتبرني من ممتلكاته. فاروق كنت جزءاً من حياته بعد طلاقنا، ولم يتركني أبداً حتى وأنا متزوجة بغيره. وكان يزورني كثيراً أثناء زواجي بمدحت صالح، ويتناول معنا الغداء، وكان دائم الاتصال بي لدرجة ضايقت مدحت صالح وأثارت غيرته، ومع الوقت تسبب وجود فاروق في حياتي بطلاقي من مدحت.

ما أهم نصائحه لكِ؟

أثناء تصوير أحد أعمالي، حدثت مشكلة بيني وبين المخرج تتعلق بفنان آخر زميل كان يشاركني في أحد المشاهد، وينسى أجزاءً كبيرة من الحوار؛ فعنّفه المخرج لدرجة أغضبتني، وعاتبته بأدب، وتركت الأستوديو احتجاجاً على ما حدث، ولم أرد على اتصالات المخرج وفريق العمل. وقال فاروق إنني مخطئة لترك الأستوديو والتصوير. أما فيما يخص موقفي الإنساني تجاه الممثل الزميل؛ فقد حاز إعجاب فاروق، واعتبره موقفاً يجب على أيّ فنان اتخاذه في هذه الحالة. وتدخّل فاروق لحل الأزمة في جلسة جمعتني بالمخرج، وهذا رغم طلاقنا في هذه الفترة.

كيف كان رد فعل فاروق الفيشاوي على قرار اعتزالكِ؟

سألني عن سبب القرار؛ فأجبته بأني "زهقت". وسألته هل سيقف بجواري؟ وكانت الإجابة: "رقبتي يا سمية".

لماذا راجعتِ فاروق الفيشاوي في قرار اعتزالكِ رغم انفصالكما في هذا الوقت؟

فاروق كان مستشاري الوحيد، وكانت موافقته على أيّ قرار أتخذه مهمة وضرورية.

تعرّفي أيضاً إلى أسامة أنور عكاشة: النجاح في تقديم التاريخ من خلال الدراما الاجتماعية

الأيام الأخيرة مع فاروق الفيشاوي

سمية الألفي وفاروق الفيشاوي- الصور من المصدر

كان فاروق يتحدث بثقة عن شفائه من السرطان. ما طبيعة مشاعره الحقيقية في هذه المرحلة؟

كانت لدى فاروق ثقة كبيرة في أنه سيشفى بإذن الله، وأنه قادر على الصمود أمام مرض السرطان، بعدما قرأ كثيراً عن أهمية الحالة النفسية في الشفاء من السرطان، ولم يكن مستوعباً بشكل كافٍ طبيعة المرحلة التي وصل إليها المرض في جسمه. أما أنا فكنت على العكس أشعر بأنه لن يستطيع تجاوز محنة المرض.

كيف كان دعمكم له كأسرة؟

كنت أنا وأحمد وعمر نقول له: ستستطيع هزيمة المرض لأنك شخص قوي، لكن بداخلنا كنا ندرك أنه لن يستطيع هزيمته.

كيف كان الأسبوع الأخير في حياته؟

كانت الآلام تشتد عليه يوماً بعد يوم، ورغم إشرافي على إعطائه مسكنات قوية جداً، كانت آلامه أقوى منها، وكانت كلمة "الآه" تخرج منه لتحطم قلبي. خلال الأيام الثلاثة الأخيرة كانت حالته تتدهور باستمرار، وكنا نقنعه أنا والفنان كمال أبورية وابني عمر بالذهاب إلى المستشفى بعدما ازداد الوضع سوءاً، حتى وافق. ارتدى ملابس بألوان زاهية جداً كأنه عريس يوم عرسه، ولبس نظارة شمسية جديدة و"برنيطة" تشبه "برانيط الخواجات"، وقال لنا: "أنا جاهز".

وصلنا إلى المستشفى، وتم إعطاؤه مسكنات أقوى، وتركناه لينام، لكنه خرج بعد أقل من عشر دقائق ليجلس معي في التراس، وكان بصحبتنا الفنان عماد رشاد. ورغم تنبيهه لي بعدم السماح لأحد بزيارته، إلا أنه هو مَن نادى على الفنانة المعتزلة شهيرة لتدخل عليه، ولم أمنع أحداً من زيارته كما ذكرتْ بعض المواقع.

كان لي سرير مرافق في غرفته، وفي اليوم الثاني بدأتْ تظهر عليه أعراض الدخول في غيبوبة كَبِدية. استيقظت على آلامه بعد انفصال أنبوب البزل وسقوط سوائل كثيرة من جسده، وأصيب بحالة هياج خرجت عن سيطرة العاملين بالمستشفى؛ فأغلق على نفسه الحمام، وبصعوبة أقنعته بالخروج. وعندما عاد للغرفة، اضطررت لتعنيفه بصوت عالٍ؛ فهدأ وقال: "أول مرة ترفعي صوتك عليّ يا سمية"؛ فبكيت وقبّلت يده وقلت: "ما عاش ولا كان اللي يرفع صوته عليك يا فاروق".

نُقلت وحدة رعاية مركزة لغرفته لأظل بجواره، لكن بسبب كثرة الزائرين نُقل إلى العناية المركزة. وفي اليوم الأخير دخل في غيبوبة كَبِدية كاملة، وأبلغني الطبيب بعدم وجود أمل بعد انتشار السرطان من الكبد إلى أجزاء أخرى من الجسم. كنتُ أدخل إليه، أحدّثه وأطالبه بالبقاء، وأسأله ماذا سأفعل بعده ومَن سيكون سندي، وأدعو له، حتى صعدت روحه لخالقها وقت أذان الفجر.

برحيل الفنانة سمية الألفي، لا تفقد الدراما المصرية ممثلة فقط؛ بل تفقد قيمة إنسانية وفنية اختارت الصدق طريقاً لها. عاشت الفن بإخلاص، وقدّمت أدواراً راسخة بقيت حاضرة في ذاكرة الجمهور. كما عاشت حياتها بعيدة عن الاستعراض، قريبة من الجوهر. ترحل سمية الألفي عن عالمنا اليوم لتلقى حبيب عمرها الفنان فاروق الفيشاوي، ويبقى أثرها محفوظاً في أعمالها، وفي سيرة إنسانية عنوانها: الوفاء والهدوء والاحترام.

يمكنكِ قراءة: سمية الألفي بعد تعافيها من السرطان: أدعو كلّ المصابات إلى التمسُّك بالأمل

لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام سيدتي».

وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك سيدتي».

ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» «سيدتي فن».