أسلوبُهم في التربية


منذ أن اخترت التربية موضوعاً لدراستي الجامعية، وأنا أحاول فَهْمَ تلك الفلسفةَ الجديدة التي غرسها علماء التربية الأميركيون في هذا المجال.

ولا يقتصرُ حضورُها على الكتب والنظريات، بل إنها أصبحت أسلوب حياة، وأعني الإتكال على الذات.

<<<

 

ما يَجعلني أُثيرُ هذا الموضوع هو خَبَرٌ تناقلتْهُ وسائلُ الإعلام، قبل فترة، ويتعلّقُ بابنتي الرئيس الأميركي: الكبرى ماليا ولها 12 عاماً، وساشا ابنة التسعة أعوام.

أما المناسبة، فهي الإعلانُ بأنَّ ابنتيْ الرئيس أوباما، سوف تعملان جليستي (أو حاضنتي) أطفال، لكي تُحصِّلا مالاً يكفيهما مصروف الجيْب.

<<<

 

وهذا يعني ان إبنتي رئيس الدولة العظمى، لا تختلفان عن أية فتاة أميركية، يوجِّهها أهلُها، ومنذ أن تفتحَ عينيها على الوجود، الى الإعتماد على نفسها، تماماً مثل أخيها.

<<<

 

لقد شاهدتُ ذلك في خلال زياراتٍ قمتُ بها الى أقربائي في الولايات المتحدة الأميركية، كما في كندا. ودائماً كنتُ أعجب من أسلوب التربية هناك، وكيف يدفعُ الأهلُ أولادهم لكي يتكلوا على أنفسهم، وحتى في سنّ مبكرة؛ فتعملُ الفتيات جليسات للأطفال، أو إذا سمحتْ سنُّهن، فيعملن نادلات، يخدمن في المطاعم والمقاهي.

والهدفُ هو أن تعيَ الفتاة باكراً، أهميةَ الإتكال على النفس، من أجل تحصيلِ المالِ المطلوب للنفقات الشخصية.

<<<

 

ولكن أن تقوم ابنتا الرئيس الأميركي بهذا العمل، لأمرٌ مختلف. فهما تعيشان مع والديهما في البيت الأبيض. أي في ذروة المجد والسؤود.

عمرُ ماليا 12 عاماً.

ولأختها ساشا تسعة أعوام. وتستعدّان الآن للخروج الى العمل من أجل ما يُسمّى بمصروفِ الجيب.

ويقول والدهما، رئيس البلاد، أوباما: ولكني أعطيهما مصروف الجيْب. إنما أصبحتا كبيرتين، بما يكفي لجني بعض المال من خلال العمل.

أي أنّهما أصبحتا نموذجاً حيّاً للفتاة الأميركية التي يُفترض أن تعتمد على نفسها.

<<<

 

بالطبع، ابنتا الرئيس لا تشكوان العَوَز؛ إذْ لكل منهما حسابُ توفيرٍ باسمها، حسبَ التصريح المنشور في وسائل الإعلام أيضاً؛ إنما هذا هو الأسلوب المتّبع في التنشئة الأميركية. ويسْري على الجميع، حتى أنه
لا يوفّر إبنة رئيس البلاد.

وتُضيف وسائلُ الإعلام الى هذا النبأ: يُتوقّع ان يكون الطلب كبيراً على جليستي الأطفال، ماليا، وساشا أوباما، لعدّةِ أسباب ومنها: انه شرفٌ عظيم ان تدخلَ ابنةُ رئيس الولايات المتحدة الى البيوت.

ثم ان وجودَهما يُوفّر راحةَ البال للأهل،
إذْ أنّهما تكونان دائماً، برفقةِ حرّاس من وَحدةِ النخبة الأميركية.

<<<

 

هذا الأسلوبُ في الاعتماد على الذات عرفْتُهُ من خلال دراستي الجامعية لفنّ التربية. وقد أدخله الأميركان في صلب المناهج؛ كما يُمارس في الحياة اليومية، من خلال توجيهِ الفرد الى الاعتماد على الذات، وباكراً جداً في الحياة؛ أي منذ سنوات المراهقة؛ ممَّا يجعلُهُ قوّياً، واثقاً من نفسه، ومعتمداً على قدراته وكفاءته في العمل كما في الحياة.

<<<

 

وقد بثّتْ المناهج الأميركية فلسفتَها التربوية هذه، في المعاهد التي أنشأتْها في الداخل كما في الخارج. وقد نالنا منها القسط الوفير.

وأنا شخصياً، لفتتْني تلك الفلسفة، منذ ان دخلتُ الجامعة؛ وتعرّفتُ الأسلوب المميَّزَ ذاك؛ وهو يُساوي بين الطبقات، ولا يُميّز، أو يوفّر طبقةَ الأغنياء أو الرؤساء.

<<<

 

والآن يأتينا هذا الدرسُ الجديد، من الرئيس أوباما، وهو يُشجِّع ابنتيه على الخروج باكراً الى العمل، والاعتماد على الذات، برغم ما توفّره لهما مكانةُ الوالد ومقامُهُ في البيت الأبيض رئيساً للبلاد.

وتخرجُ الواحدة، مثلما تفعل كل فتاة أميركية، لتحصّلَ ما تحتاجُ اليه من مال، من خلال عملها في رعاية الأطفال لدى غيابِ الوالدين.