mena-gmtdmp

أمهات وحيدات ـ 4 ـ


لي صديقتان: سميحة وليلى، وحيدتان مثلي، سميحة والدة ماجد، وليلى والدة أيمن، ماجد وأيمن أيضا مثل أميهما صديقان، كلاهما يبلغ من العمر أربعة عشر عاما، في هذه السن تزداد صلة الأولاد بأصدقائهم خارج حدود البيت، وتزداد رغباتهم في قضاء أوقاتهم معا بعيدا عن أمهاتهم.

جاء ماجد لسميحة يوم الأربعاء الماضي يستأذنها في قضاء عطلة الأسبوع مع أشرف زميله في المدرسة، ولم تكن سميحة تعرف شيئا عن أشرف أو أسرته، فواجهت طلبه بالرفض التام، وكان الرفض حاسما وجافا.

قال ماجد: ماما، دعاني أشرف للمبيت معه في عطلة الأسبوع القادم، سنقضي وقتا ممتعا في مباريات الكمبيوتر ومشاهدة التلفزيون، هل تسمحين لي بذلك؟

ردت سميحة قاطعة: أنت تمزح، بالطبع لا، لكن يا أمي... لماذا؟ الموضوع انتهى، هيا انصرف من أمامي وعُد إلى مذاكرتك، فانصرف ماجد إلى مذاكرته.

لكن هل ماجد الذي يبلغ من العمر أربعة عشر عاما لا يستحق أن تناقشه أمه، وتشرح له أسباب رفضها السماح له بقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع صديقه؟

سألتها: ولمَ لا تسمحين له يا سميحة؟ قالت إنها لا تعرف هذه الأسرة، وبالتالي لا تطمئن على ترك ابنها يومين كاملين وليلة في بيت لا تعرف عنه شيئا، ربما تكون محقة في أسباب رفضها، لكني لم أستطع أن أتضامن معها في امتناعها عن مناقشة ولدها وشرح أسبابها، وإقناعه بها، أو ربما التوصل معه إلى حل وسط يرضيها ويرضيه.

وعلى النقيض من هذا الموقف تماما كان رد صديقتي ليلى على رغبة أيمن في قضاء العطلة في منزل أشرف، إذ قالت له وهي منفرجة الأسارير: اذهب يا حبيبي، أتمنى لكما وقتا سعيدا وعطلة مرحة.

ليلى أيضا لا تعرف شيئا عن أشرف أو أسرته، ولم يبدُ عليها أنها تهتم بذلك.

سميحة وليلي كل منهما تحب ولدها، وتعتبره أغلى ما تملك في هذه الحياة، سميحة تريد حماية ماجد من كل الأخطار، وليلى لا تريد أن تحرم أيمن من أي رغبة تجول بخاطره.

حب كل أم منهما هو الذي يدفعها للتصرف المتناقض مع ولدها، الأولى منتهى التسلط، والثانية منتهى التساهل، ورغم اختلاف الأسلوب في الحالتين إلا أنهما ربما يؤديان إلى نفس النتيجة السلبية في نفوس الأبناء، فماجد أصيب بغضب مكتوم، قد يؤدي مع المزيد من هذه النوعية من العلاقة مع أمه إلى الانسحاب من المجتمع، وكراهية كل أنواع السلطة، والرغبة في الخروج عليها، وأيمن أيضا يشعر بأن أمه لا تعبأ به، وأنها فقط تريد أن تتخلص منه؛ ليكون لها بعض الهدوء، كما أنه أيضا يفتقد التعود على وجود قواعد ينبغي عليه أن يتبعها ويلتزم بها، هو أيضا سيرفض أي سلطة، وسيكون معرضا للخروج عن القانون، الأبناء يحتاجون إلى أن يشعروا بأنهم محط ثقة أمهاتهم، وأنهم محاطون بالحب.

وتحتاج الأمهات إلى أن يصبرن على مناقشة الأبناء والتواصل والتفاوض الدائم معهم من أجل الوصول إلى بر الأمان.