mena-gmtdmp

ابحث عن الفراشة!


كاتب غريب، أفنى عمره في البحث عن أنواع الفراشات المختلفة، وقد أحصى أكثر من مئة نوع منها، وحين سئل عن أسباب الهواية العجيبة، أجاب واثقًا بأنها رغبته الدفينة في اكتشاف نوع جديد من الفراشات الذي لم يعرفه أحد قبله!

وبرغم أن البعض قد يتهم الرجل بأنه أحد الفارين من مستشفى المجانين، أو أحد الشعراء الحيارى، الذي «لحس» العشق عقله، فإن ذلك لم يُقلل من عزمه، واستطاع أن يصل في النهاية لحقيقة الفراشة الوحيدة التي عشقها قبل أن يراها، ليُسمِّها العلماء باسم «فراشة نابكوف»، نسبة له، وهو الروائي الروسي صاحب الرواية الشهيرة «لوليتا»، الذي جاب الدنيا رحالاً باحثًا عن حقيقة واحدة كانت بمثابة سرّ الحياة، لتكون تلك التسمية أبلغ تكريم لعاشقٍ عنيد تحدّى الصعاب من أجل حبيبته التائهة! الرجل قد يبدو مجنونًا في أعيننا، لكنه كان عاشقًا يذوب في معشوقته التي صمم أن يجدها ويبحث عنها طويلاً، ليتعلّم ويسأل ويُراقب دورانها المثير كل ليلة، بلا كللٍ ولا ملل!

اليوم، دعونا نتساءل: متى يحين الوقت الذي سنبحث فيه عن فراشتنا بكل جدٍّ واجتهاد في عالمنا البشري المضني، متى نؤمن بأن لكلٍّ منا هدفًا وغاية، وفراشة رقيقة تجعلنا نطير معها فوق البساتين، ونلامس الزهور، ونُحلق فوق السحاب في مشهد حياتي راقٍ وجميل لا يتكرر كثيرًا، متى سنمضي في طريق الحلم الموصل للقمر، في معية فراشة تُنير الدرب وتجعل من مشاهد التحدي والصعاب واحة صبر وأمل!

الحقيقة تقول إننا لا نلتفت كثيرًا إلى تلك التفاصيل، بل لا نُعيرها اهتمامًا، وأن معدلات التخبط في حياتنا تقول إننا لا نعرف عن الفراشات شيئًا، فسواء كانت أحلامًا أو حتى أوهامًا، أو ربما زوجةً، كما يسخر البعض مرددًا أنها تحولت في زماننا هذا إلى ناموس يلسع ويمص الدم في الظلام، في غلٍّ وطمع!

هكذا أصبحت الحياة مسرحية هزلية، وأصبحت فصولها مليئة بالدراما الواقعية المريضة، وبرغم اعتيادنا على التكنولوجيا لتسهيل أمور حياتنا، خاصة بعد إعلان شركات التقنية أخيرًا عزمها على تقديم برامج تطبيقية، هدفها الأول يتعدّى بناء برامج خاصة بأجهزة الجوال الذكية، أو الحواسب الآلية، لتقدم تطبيقات لتسهيل الأمور الحياتية، تشمل السيارة والتلفاز، والمطبخ، إلا أن دائرة الأحلام والطموح وخطط الحياة الطويلة أمورٌ تبقى خارج مجال التطبيق التقني بكل أبعاده وزواياه!

كل الفراشات تدور حول النور مهما اختلفت ألوانها وأنواعها، ورغم تلك الحقيقة، أمضى الباحث الشهير زمنًا يُصوّر ويُلصق ويُحلل ويدرس سلالتها وعائلاتها.. وكله إصرار أن يبحث عن ضالته ورفيقة المشوار التي تختلف عن سائر فراشات الأرض في مخيلته! اليوم، فلتبحث أنت عن فراشتك، مهما تشابهت الدروب والمفارق، فالحياة بلا فراشة ضربٌ من خيال، وطريقٌ آخره سراب، فلا تأبه كثيرًا بالأكواخ المحترقة، والأسقف المنهارة، والجدران المائلة.. يبقى في الحياة حبٌّ وحلمٌ وأمل، وفراشات جديراتٌ برفقة المشوار إلى منتهاه.

حلمٌ أن تعود أوطاننا العربية إلى حيث الطموح في بناء شابٍّ يبحث عن غايته، ويرسم هدفه بدقة، ويعيش من أجله بلا كلل، فمن دون تلك الحقيقة الغائبة سنتأخر كثيرًا عن ركبنا الحضاري، الذي طالما حلمنا به، علّنا غادرنا مرفأ عالمٍ ثالث مُتصدّع البنيان.. حلمنا التنموي لن يستقيم من دون إنسان سويٍّ، يعرف خريطة المشوار، وأماكن المحطات، ويعشق حلمه، ويُحدد هدفه بوضوح وثقة، فيُعطي ويُعطي لأرضٍ جديرة بهذا الحب.

إنها الحياة من أجل تحقيق حلم.. هي اللبنة الأولى في تركيبة مجتمع متميز، ووطنٍ مثاليٍّ تُعانق هامته عنان السماء.

دمتم ودام الوطن بخير