استثمار الدموع!

 قال سلفنا الشعري الراحل:

إني كمصباح الطريق صديقتي..

أبكي ولا أحد يرى دمعاتي!

هذا «الضوء» المنبثق من الوهج الوهمي، يرميه سلفنا الشعري، محاولا إثبات «الإيثار» الذي يتفلت من ثنايا «الخصاصة»؛ كمصباح الطريق، ولك أن تتصور

«الشعاع الصامت»، الذي يشع إضاءة على أطرافه دموع السراج الوهاج!!

ويقول الآخر، محددا الأهداف التي تكون في أحادية الغاية؛ والبحث عن الذات:

كل من في الوجود يطلب صيدا

غير أن الشباك مختلفات!!

«الشباك المختلفة»... هذا الوجع المزمن، الذي يتشبث به كل من عليها، في محاولة لإثبات أن الاحتراق في سبيل المجموع «فرض كفاية»!!

أعود -والعود ليس دائما أحمد- إلى صديقنا الذي يبكي -ولا أحد يرى دمعاته- أعود

إليه بأسئلة صفراء فاقع لونها، تتخذ البراءة سلما، والسذاجة مسلكا، وأدخل من دائرة «الذات» والآخر؛ لأقول: أين هي هذه «الدموع» التي لا يراها أحد؟ وهي كذلك؛ لأنها دموع سرابية، تتلاشى في مزالق كثيرة، فصديقنا الراحل، القائل السابق، هو بشريانه ووريده يقول في مكان آخر:

جربت ألف عبادة، وعبادة

فوجدت أفضلها، «عبادة ذاتي»!!

إنه حب للذات يصل لدرجة التجاوز، متخطيا في ذلك الخطوط الحمراء

والسوداء، ثم يزعم -في لحظة تجلٍّ تتلبس بالإيثار- أنه «كالشمعة يحترق

ليضيء للآخرين»!!

إنه استخفاف شاعر، واستغفال لقوم لا يكادون يحسنون حديثا، أو يفهمون

خطابا!!

 نقبل الشعر؛ لأنه شعر وكفى، دون المتاجرة به عبر أحلام الآخرين، والمزايدات في عواطفهم، واتباع القصيدة الشعرية بجيش من المن والأذى!!

وهنا أتذكر أحد عمالقة الشعر المعاصر، وهو بدوي الجبل عندما عاتب الورد اختصارا للفتنة، ودرأ فتون القصيدة بالحروف:

تفنن الورد ألوانا... ليفتننا

أيحلف الورد لنا أنّا ما فتناه؟!

«أبكي، ولا أحد يرى دمعاتي» بكاء صامت، والصمت مثار جدل عريض،

فمن يسلم لحديث الصمت، ونحن أمة نقول: «الصراخ حكمة»؟!

ذلكم شأن الذي يبكي بالدموع المجهولة أو المستعملة، أليس من الأنفع، والأمتع والأروع، أن نسلك مسلك «المخبل السعدي»، الذي قال في لحظة جسارة وقسوة، وعنف واستعلاء:

يُبكى علينا ولا نبكي على أحد

فنحن أغلظ «أكبادًا» من الإبل؟!

لعل الأمر في نهاية الشوط منطلق من فم هذا الشاعر الصريح الذي تكلم بما سكت عنه الآخرون. ألسنا نجزم بصراحة أبي فراس القائل عبر أنانية صارخة:

إذا مت ظمآنَ.. فلا نزل القطر؟!