الإغارة على الفحولة المستعارة!

أحيانًا تتضخم في المجتمع زاوية معينة، فتغطي على كل الزوايا؛ لتكون مدار القياس، ووحدة الوزن، ويصبح عندها المجتمع كله رهين هذه النظرة. والويل الويل لمن يقترب من مناقشتها!

ومن بين هذه «المتضخمات» الفحولة المستعارة، أو لنقل «التفحل المبكر»، أو بعبارة أدق «التفحيل السريع». فهذه ظاهرة تتضخم بشكل يصبح الكلام المتين والوعد الناجز قرينًا بها، ورديفًا لها، فكلنا يسمع كلمات مثل «كلام رجال»، أو «وعد رجال»، وفي هذا استخفاف بكل النساء!

هذه الرجولة تتضخم وتتمدد، لدرجة أنك تجد أن الطفل يحقن رجولة وثقلاً، ويحرم من الاستمتاع بطفولته، وعندما يغدو رجلاً يجلس على طاولته مسجلاً أقوى البكائيات، وأكثر العبارات إيلامًا على ضياع الطفولة وأيامها التي لم يعش شيئًا منها... ليغدو هنا مشوهًا مرتين؛ مرة لأن طفولته لم تأخذ بعدها الكامل، وأخرى لأنه يبكي على طفولة لم يتمتع بها!

وهنا تحضرني قصة، فقد سألت أحد الأطفال من أقاربي، لم يتجاوز عمره السابعة: ما اسمك يا بطل؟ فقال على الفور: أبوسليمان صالح...! فقلت له: ولماذا «أبوسليمان»؟ فقال: لأنني رجل، ومن الآن قررت أن أسمي ابني في المستقبل –إن شاء الله– سليمان! فقلت له: لماذا لا تفكر بأن تأخذ وقتك الآن مع ما يلائم سنك، ويتفق مع عمرك؟ فقال على الفور: لابد أن أكثر المسلمين، وإن شاء الله أولادي كلهم، سيصبحون مجاهدين، يسعون لنصرة دين الله، ويذلون المشركين الغاصبين لديار المسلمين!

القصة تطول، ويمكن قراءتها بعدة أوجه، ولكن ما يهم هنا هو هذه الفحولة الزائدة التي تجعل الولدان شيبًا! هذا الولد لم تهبط عليه هذه «الثقافة الفحولية» من السماء، بل تسربت إليه من رأس من حوله من أب، أو مدرس، أو حلقة، أو صديق متطوع! ألم يقل سلفنا الشعري:

وينشئ ناشئ الفتيان منا

 على ما كان عوّده أبوه

إنه استنساخ منذ آلاف السنين، قبل أن يتوصل «الغرب الفاجر» إلى استنساخه الجسدي المحسوس!

لقد قام القلم باستفتاء صغير لمجموعة من الطلبة الأجانب، فلم يجد فيهم من يحمل «عادة» تسمية «أبوفلان». وطالما أننا مغرمون بالخصوصية، فيمكن القول بكثير من الارتياح: إن هذه «خصوصية عربية» قوية وفعالة، لدرجة أن السفير البريطاني في الرياض تم إقناعه بأن يكون «أبوهنري»، فرحًا بهذا الاسم، على اعتباره اسمًا من الممكن أن يدوّنه في مذكراته حينما يشرع في كتابتها بعد عشرات السنين!

«أبوفلان». إنها مفردة تنعش في العربي رجولته التي ضيعها الواقع، ليبقى هو مكتفيًا من الغنيمة بالألقاب، والمخدرات اللفظية، التي لا تغني ولا تسمن إلا أصحاب الرجولة الغائبة... فإلى المزيد يا «أبا مصعب»، و«أبا حذيفة»، ويا «أبا معاذ»، إذ الكلمات ما زالت رصيد «المفاليس»!