قالوا: إن يطعنك أحدهم في ظهرك فهذا أمر طبيعي، لكن أن تلتفت وتجده أقرب الناس إليك، فهذه هي الكارثة، ولو نظرنا حولنا سنجد الواقع يحمل لنا -في بعض الأحيان- ما يخجل منه الخيال، ولأنه واقع، فلابد أن نصدقه رغم تعجبنا من حدوثه، فهناك مواقف وأخبار من يتتبع أحداثها لا يصدق أن أطرافها أقرباء، لكن الواقع يقول ذلك، فقد تناسوا طبيعة العلاقة السمحة التي تربطهم، ونسوا المودة والحنان والعطف والرحمة، التي تتميز بها هذه الصلة، وأبت أن تظلل تلك المشاعر النبيلة حياتهم بعد أن طردها الحقد والحسد والجحود الذي يعشش في نفوسهم، فقلوبهم لم تعد صافية وكأن الحق على أيديهم يصبح باطلاً.
لو يعلم هؤلاء أن القهر والظلم والاتهامات تكون أقسى إيلامًا عندما تنصب من القريب؛ لأنه من المفترض أن يكون أبعد عن الظلم، فشدة الألم سببها عدم توقع مصدر الإساءة، لحظتها نشعر بالإحباط وخيبة الأمل، ونصاب بالمرارة نظرًا لعدم القدرة على الرد، رد الإساءة لمن قلبه عامر بمحبة الله، ولمن جوارحه ترتجف خوفًا من الله، ولمن يؤمن بثواب صلة الرحم، ولمن يعيش الصدق مع النفس، ومن أجل كلمة حق، ولمن يناضل من أجل مبدأ حقيقي ويسكت أمام الأحمق ويبتعد عن المهاترات ويتجاوز عن أخطاء يمكن التجاوز عنها، ويعفو ويصفح ويتسامح، علينا أن نرتقي بأهدافنا، ففي خصامنا وقطيعتنا أمامنا طريقان لا ثالث لهما: الأول دنيوي والثاني أخروي، فالأول نعرف شعبه ومسالكه ونتائجه ونهايته، والثاني يدل على نفس قوية في الحق راغبة بالخير، نفس مؤمنة شفافة تعيش في راحة، لأنها على يقين بأن الأجر أكثر بكثير، وتعرف أن التنازل قد يكون في بعض الأحيان صعبًا، لكن مقابل رضا الله -سبحانه وتعالى- يلين القوي ويهون الشديد، إن من يمتلك تلك الصفات يوجّه طاقته وتفكيره ومشاعره وأحاسيسه إلى المحافظة على البناء الأخوي عاليًا، فبقوة إيمانه وبتضحيته وإيثاره لا يظن ولو للحظة واحدة، أن كبرياءه وكرامته وكيانه قد مُست أو جُرحت، فهو واثق من أن العطاء كلمة لا تحتاج إلى تسول أو طلب ليتعامل بها مع من حوله، لأنه يعلم أن من فقدها فقد إنسانيته، وأي إساءة تصادفه ينظر إليها بمنظار الآخرة بعيدًا عن أهوائه ونزعاته، ويخاطب فيها عقله ونفسه، علينا أن نوقظ ضمائرنا النائمة في سبات عميق، ونوجّه كل اهتمامنا وأحاسيسنا وسكناتنا وحركاتنا للأعلى، وننتظر الثواب من رب العباد، ونتطلع إلى مزيد من الرُقي بأنفسنا، ومتى عشنا هذه المعاني، سيتغير تفكيرنا، وستتحول نظرتنا للدنيا، وسنخجل من أنفسنا وأفعالنا وأقوالنا، وسنترفّع عن مجرد التفكير في الخصام والشقاق والمناحرة والمعاتبة على سفاسف الأمور، ونتذكر حقيقة وجودنا في هذا العالم، لحظتها تهون علينا الدنيا بكل ما فيها.
أنين
يا رب املأ قلبي بالإيمان، وبارك خطواتي، وانزع من قلبي أي أثر للكراهية والحقد، فالحقد يعمي البصيرة ويغمض العيون ويحجّر العقول، وأنا في أشد الحاجة لبصيرة عادلة، ولعينين مفتوحتين، ولعقل متفهم؛ لأحقق ما أمرتني به.