القطة المليئة الأرداف


العيون كانت تراقبها بانبهار غير خجول، والألسنة كانت تلوك أخبارها في الذهاب والإياب: «جاءت رحيمة»، «ذهبت رحيمة»، «ازداد حجم رحيمة»، «تكورت وتدورت وانسدت عيون رحيمة من كثرة الأكل»، أرطال جسد رحيمة، والبالغة أكثر من مئة كيلوغرام، جعلتها ذائعة الصيت، ومادة دسمة للفرفشة عند نساء حيِّنا، ورغم كل شهرتها هذه، كانت صديقتي الغالية منذ التحاقي بالكتاب القرآني، بالمدرسة الابتدائية كانت تتخذ لها مقعدًا في آخر القاعة حين التحقنا بها، لتأكل خفية، بعيدًا عن العيون، ما أخفته لها أمها زوجة الجزار، من سندويتشات وحلويات في المحفظة، فزوجة الجزار كانت حريصة كل الحرص، أن تدجن حبيبتي رحيمة، كما لو أنها كانت تدجن لعيد الأضحى خروفًا، اعتقادًا منها أنها كلما امتلأت أرداف رحيمة ازدادت حظوظها في جلب العرسان، والزواج المبكر.

أنا ورحيمة كنا مثل ذلك الثنائي الشهير المسمى «لوريل وهاردي»، فلوريل النحيل، والذي يشبهني، يتميز بغبائه المفرط، مع احترامي لنفسي، فغبائي له حدود، ولا يعرف الإفراط، أما هاردي البدين، والمقصود به رحيمة، فهي تعاني مثله من نقص في الذكاء، رغم أنها تتبوأ دور الزعيمة أمامي، وتدخل مرات في عراك مصيري بسببي، مدافعة ومخلصة لبنود الصداقة التي قطعناها معًا على أنفسنا.

رحيمة كانت مهجة قلبي، فعقلها الخفيف، أقصد البليد، ولسانها الساخر الذي يغرقني في نوبات هستيرية من الضحك، وروحها المرحة، كانت تجعلني كل يوم أتيم عشقًا بها، لقد كانت تتفنن في نسج المقالب، وتوريط الجيران في حيلنا الصبيانية التافهة، آخرها كان حين أرسلنا مرسولة إلى حمام الحي البلدي، لتخبر جارة، نكن لابنتها العداء، أن بيتها يحترق، وترى كيف أن الضحية تهرول فقط بجلباب رمته على جسدها في عجلة، وما إنْ رأيناها تخرج من الباب الرئيسي، حتى تنطلق ضحكاتنا عاليًا وتفضحنا، فلا تملك هذه إلا أن ترمينا بكل ما وقعت عليه عيناها، وتصيح: «سأريك أيتها الثخينة..»، وهكذا كان، إلى أن منعني أخي الأكبر يومًا من مصاحبتها، بكيت ساعتها شلال أمطار، ونهقت كالحمار التعيس، إحساسًا بالظلم والحرمان، لكن لا تحزن يا قلب، في الخفاء كنت أختلس ساعات بصحبتها.
أمها كانت ترى نحولة جسدي ككابوس قبيح يحدق بي، وعظامي البارزة عائقًا لكل رجل سيفكر بالإقدام على الزواج بي، ولو شفقة، أتت لأمي في يوم بأعشاب مجففة، جلبتها لها امرأة من جنوب الصحراء، لتساعد على انتفاخ أردافي، وامتلاء عضلاتي، وأكرهتني أمي على أن أتناول معها كميات هائلة من الوجبات الدسمة، وأبتلع كل ما تقع عليه عيناي، ليرتفع الوزن ولو لكيلوات، زوجة الجزار هذه كنت أكرهها، كانت تحرِّض أمي لأخضع لطرق التسمين الإجباري والدكتاتوري، كما تخضع رحيمة لذلك، وكنت أوهم أمي أنني قضيت على كل الأكل في بلعة واحدة، إلى أن افتُضح أمري، فرائحة الأكل الفاسد الصادرة من تحت السرير، كشفت المستور، وعرَّت خداعي لأمي طيلة الوقت، لقد نسيت رمي الأكل الذي أُجبرت على أكله، وانتهى الأمر بأنني ابنة عاقة، وسأُرمى في أحد الأركان حتى أعنّس.

رحيمة المسكينة، لم يصبح عليها الصبح، ولم تتمتع حتى بعيد ميلادها الثالث عشر، نقلت إلى أقرب مصحة في يوم شتوي محزن، ضيق في التنفس، وارتفاع في ضغط الدم، والتهاب في المرارة والأعور، والنتيجة صعوبة إجراء عملية لها لإنقاذها، لأن سمنتها المفرطة لا تمكن من إخضاعها للتخدير العام.

وأعلن عن موت رحيمة، ويومها بكيت كما لم أبكِ يومًا في حياتي، لقد ماتت قطتي المليئة الأرداف، وحقدت على الأكل وامرأة الجزار، وسكنني هوس الحفاظ على وزن الريشة، ولو عاشت حبيبتي رحيمة، لكنت أهديتها ذلك الجهاز القابل للتمدد حول معدتها، لتقلل من كمية الطعام الذي أجبرت على بلعه، لكن روحها الطاهرة مازالت تحوم حولي، ومازلت أحفظ عهدي لها، وهذه هي سطوري مع حبي دليلاً.