رحم الله شيخنا الجليل إبراهيم الغزاوي، فقد مات ـ غفر الله له ـ وهو يعتذر عن استخدام كلمة «الإتيكيت» (etiquette) في كتاباته، وقد حاول ترجمتها إلى عدة معانٍ مثل (القواعد/ التقاليد/ الأعراف)، ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، واضطر أن يستخدمها بصيغتها «الإنجليزية» رغم أن له علاقة قوية بلغة الضاد، وقد عرّب البعض مصطلح «الإتيكيت»
بـ «آداب السلوك»، وهذه كلمة عامة، ويبدو -والله عنده العلم والترجمة- أن الكلمة يمكن أن تُعرّب بـ«مراعاة الذوق العام» أو «اتباع الذوق الحضاري»!
وكما يرى القارئ الكريم يحتاج المتلقي إلى عدد كبير من الكلمات ليُعوّض غياب كلمة «إتيكيت» التي أصبحت مشهورة أكثر من «النمارق» أو «السندس» أو «عم صباحًا» التي تنحدر من لسان عربي مبين!
ولكن هل الإتيكيت من محدثات العصر؟! لا أظن ذلك؛ لأن العرب -خاصة بعد مجيء الإسلام- كانوا لا يخلون من حضارة وثقافة وسلوك، وقواعد وذوق في التعامل والملبس والمأكل، وهذه القصة شاهد على ذلك: (قال زياد بن معاوية لحاجبه عجلان: كيف تأذن للناس؟ أي ما المواصفات التي تتبعها في تقييم الناس حين يرغبون في الدخول عليَّ؟! فقال الحاجب عجلان: على البيوتات؛ أي أسماء الأسر، ثم على الأسنان؛ أي الأعمار، ثم على الآداب!
فقال زياد: فمن تؤخر؟ قال: من لا يعبأ الله بهم. قال: ومن هم؟ قال: الذين يلبسون كسوة الشتاء في الصيف أو كسوة الصيف في الشتاء!
من هذه القصة يبدو أمر الإتيكيت أو «مراعاة الذوق العام» أمرًا لا محالة من الرضوخ له، فمن يلبس ملابس الصيف في الشتاء، وملابس النهار في المساء، من يفعل هذا داخل في قائمة «الذين لا يعبأ الله بهم»، كما صرّح بذلك الوالي لزياد بن معاوية، فهل من مغير يا من لا تعرفون من الإتيكيت إلا أن العصير يُشرب على دفعات، وأن لَيّ الشيشة يمد باليد اليمنى؟!
إن العرب، خاصة الجانب السعودي منهم، بحاجة كبيرة إلى تعلم الإتيكيت والذوق، ومن أبسط قواعد الذوق إعطاء الشكر لمن يعطي لك معروفًا، أو يسألك: هل تريد شيئًا؟ وأتذكر أنني عندما بدأت الدراسة في بريطانيا سألتني سيدة عجوز -كنت أسكن عندها- قائلة: هل تريد قطعة بسكويت؟! فأجبتها بكل جلافة عرفجية، وكل لغة استعلائية قائلاً: لا، عندها ابتسمت العجوز وأعطتني أول درس في الإتيكيت، وقالت لي: اسمع يا غلام، عندنا في بريطانيا الرد على السؤال يتكون من كلمتين، لا يمكن أن تأتي واحدة من غير أختها، فأنت يجب أن تقول -وأقول يجب أن تقول- (Yes Please) أو (No Thanks)، بمعنى إذا قلت لك: هل تريد قطعة من البسكويت؟! فيجب أن ترد عليَّ بنعم إذا سمحتِ، أو لا شكرًا!
حسنًا... ماذا بقي؟!
بقي القول: إنني أشكركم على قراءة هذا المقال!