رجل الدار

اليوم تمت إحالتي على التحقيق.

قال لي أخي الذي فقد عمله منذ ثلاث سنوات، وحاول دون جدوى أن يقاضي رئيسه، وانتهى به الأمر ناشطًا جمعويًا يدافع عمن تعرضوا للطرد من وظائفهم إن «جمعيته» مستعدة لتسلم شكواي. نظرت إليه بدهشة. يتحدث بجدية. ويبدو مستعدًّا للدخول في مناقشة حامية معي. لم أكن أحبذ ذلك. لا رغبة لي في الكلام. ليس معه على كل حال. وأنا لم أفقد وظيفتي بعد.

وضع أخي شكل عبئًا نفسيًّا وماديًّا على الأسرة. وعليّ بالتحديد. لم يكن قرار طرده من عمله قرارًا جائرًا. سبق وأن تلقى إنذارات كثيرة. والخطأ المهني الذي سرّع بصرفه لم يكن أمرًا يمكن التغاضي عنه. فبسبب استهتاره اندلع حريق في مقصورة المعمل التي يشرف عليها، ولولا لطف الله لذهب ضحية الكارثة خلق كثير.

لم أرتكب خطأ مهنيًا، ولا يمكن لأحد طردي.

لم تستطع أمي أن تحبس دموعها. كان بإمكاني أن أخفي الأمر، ولكنني عدت مبكرًا للبيت في حالة عصبية شديدة، ووجدت زوجة أخي ترتب فواتير الشهر، وولداها يعبثان في غرفتي، وأخي العزيز يقلب صفحات مجلة دعائية بحثًا عن موديل السيارة التي يريد شراءها.

منذ أيام وهو يتحدث عن ذلك. ومنذ أيام وأبي وأمي يلحان عليّ لأمده بالمال الذي يحتاج إليه.

سبع سنوات ونحن هنا في إسبانيا، نصارع لكي نعيش. أخي لا يفكر في البحث عن عمل. يظن نفسه، وهو «يناضل» داخل «جمعيته» من أجل حقوق العمال المطرودين يقوم بشيء كبير، ولا يكترث بمن يدفع فواتير البيت ويصرف عليه وعلى أولاده. والداي لا يريدان أن يكسرا بخاطره. وأنا، أنا التي كنت أظن نفسي في مأمن من تقلبات الزمن... أحال على التحقيق، ويتم التشكيك في كفاءتي المهنية.

ما زلت لا أصدق ما حدث.

أعمل مسؤولة سلامة منذ خمس سنوات في شركة بناء. لم يسبق لي أن تعرضت لمشكلة تذكر. جديتي في العمل والتزامي بالقوانين مكناني من صعود سلم المسؤولية بسرعة. جولتي الأخيرة على ورشات البناء كانت روتينية للغاية. لا أدري ما الذي دفع بعامل كان يشتغل دون قبعة واقية إلى الجري بسرعة عندما رآني بحثًا عن قبعته التي تركها في مكان ما. لم ينتبه لإحدى الحفر، ووقع فيها، وانتهى به الأمر راقدًا في المستشفى برجلين مكسورتين، وظهر متأذٍّ ومخ مرتج.

 قال مسؤول الإدارة: إن ثمة خطأ ما في الطريقة التي اشتغل بها. لا يفترض بي أن أرهب العمال إلى درجة هروبهم مني عندما أقترب منهم. عليّ أن أخضع لتحقيق لتحديد مسؤوليتي في الحادث الأليم.

أخي يحاضر في الصالة المجاورة متبجحًا بما يمكن لـ«جمعيته» أن تقوم به من أجلي. أبي وأمي يدعوان له بالتيسير وحسن الثواب. وأنا أقلب الفواتير التي مدتها لي زوجته وأتساءل إن كنت سأقدر على تغطيتها الشهر القادم أيضا.