mena-gmtdmp

رحلات امرأة عربية

أخذنا القطارالمتجه إلى ضاحية بوسعيد وهي أحد أجمل المناطق السياحية، وتبعد 20 كم في شمال شرقي تونس العاصمة، وتعد ضاحية بوسعيد أول موقع محمــي فــي العــالــم سنة 1915، ويعــود تأسـيسـها إلى القــرون الوسطــى، وتقع في أعالي المنحدر الصخري المطل على ضاحية قرطاج التاريخية، وخليج تونس.

 تتميز بو سعيد بموقعها على جبل أخضر يقبع بين تلاله ومنحدراته وهضابه بيوت بيضاء اللون ذات نوافذ ومشربيات زرقاء، وكذلك الأبواب الزرقاء المطعمة بمسامير سوداء غليظة؛ لتشكل رسومًا إسلامية الهوية عربية الهوى. تناغم اللونين الأبيض والأزرق شكل لوحة جمالية للضاحية وحواريها المرصوفة بالأحجار الصغيرة، بينما تتدلى أشجار الياسمين والورد والزهور من فوق جدران البيوت لتلقي بظلالها، وروائحها العبقة على السياح والزوار في ترحيب وكرم عربي أصيل.

 تطل بيوت الضاحيه البيضاء على البحر المتوسط في منظر خلاب، ويبعث على السكينة والراحة. بينما أزقة المدينة تعبق بروائح أشجار الياسمين الزكية، وأصوات المنشدين الصوفيين يتغنون بمديح الله؛ لتضفي على المارة شعورًا بالطمأنينة والروحانية. وليس غريبًا هذا الشعور الروحاني عندما شرحت لي مضيفتي اسم الضاحية، والذي ينسب إلى الولي الصوفي أبو سعيد بن خلف التميمي الباجي (القرن 12/13 بعد الميلاد) الذي كان يأتي إلى هذه المنطقة المرتفعة من الهضاب ليخلو مع الله ويتعبد. حينها لم تكن هناك بيوت، وأزقه، وأسواق، وتجارة. بل كان المكان ربانيًا بأشجاره، وعلوه، وهوائه، وإطلالته على البحر الأزرق مترامي الأطراف على مدى البصر، وحيث تلتقي زرقة البحر بزرقة السماء في انسجام بديع.

اشتهرت الضاحيه كونها مزارًا للعباد والمتصوفين الذين يبحثون عن القرب من الله، والتأمل في ملكوته ومخلوقاته، والبعد عن لهو الحياة  وربما من الصعب أن يحتفظ المكان بروحانيته وخلوه من الناس.. حيث أصبح اليوم مكتظًا بالسياح طوال اليوم، ولكن الضاحية مازالت تحافظ على الإرث التاريخي، والذكريات الوفية للولي الصوفي بو سعيد حيث تسمت الضاحيه باسمه.

 نهبط الدرج الحجري ذا الـ(1000) درجة الذي ينزل بنا من جبل المنارة حتى يصل إلى شاطئ الضاحية مستقرًا على أعتاب البحر المتوسط. تعرف هذه الدرجات بـ(كراسي الصلاح)؛ لأنه الطريق الذي كان يسلكه طلاب العلم الذين يأتون من شتى أنحاء البلاد، ومن المغرب العربي، وأفريقيا، والشرق الأوسط ليتعلموا الفلسفة الصوفية على يدي الولي بوسعيد.

مشينا باتجاه أحد أكبر محلات القهوة الشهيرة الواقعة على أطراف الجبل الممتدة نحو البحر. كان الموقع رائعًا ونحن نجلس على الكنب العربي نرتشف الشاي الأخضر التونسي، ونستقبل رياح البحر في أعلى الجبل، وننعم بمنظر بانورامي للمدينة من عدة جهات، بينما يقبع المرفأ تحت أقدام الجبل محتضنًا للقوارب والمراكب الراسية على أطرافه. وتغسل أمواج الشاطئ أطراف الجبل الراسخة؛ ليزداد بريقها الأسود المبلل، وتلتقي نعومة الماء بخشونة أحجار الجبل.

تختلط أسماء الأولياء بأسماء المقاهي العديدة في الضاحية؛ لتوفر للزوار جوًا تونسيًا عربيًا يمتزج فيه عبق التاريخ بروائح القهوة العربية، ومشموم الفل والياسمين، وتزدان المجالس بألوان الكنب أندلسي التصميم، وسحر شرقي حميم.