mena-gmtdmp

زعماء أحببتهم ـ 5 ـ

 

أعود إلى قصة عشقي لزعيمٍ رحل، ولكنه لازال باقيًا في قلبي الذي تعلّق به دون أن يستطيع حفظ تقاسيم وجهه وعينيه..

المشكلة أنني أصبحت بحالة لم أفهمها حين التقيته وجهًا لوجه..

ما هذه الهالة التي كانت تحيط به.. هالة جعلتني لا أرى أحدًا سواه!


تم إحداث جامعة تشرين باللاذقية، وبدأ الطلاب يتلقون تعليمهم في إحدى المباني التي كانت يومًا مدرسة كبيرة إلى حين الانتهاء من بناء الجامعة الرئيسي..

والرئيس حافظ الأسد هو من سيضع حجر الأساس له..

خيمة في الأرض المعدّة له، وُضعت فيها كراسي للأشخاص المشاركين بالتدشين..

كان لي حظ أن أكون بينهم.. جلستُ مع الجالسين نترقّب قدوم الضيف الكبير.. وما هي إلا لحظاتٌ حتّى فركتُ عينيّ.. هالة نور جعلت عينيّ لا تبصران!!

وقفتُ مع الواقفين.. كل حواسي كانت معه.. صممت أن أحفظ شكله وعينيه وابتسامته التي تسحر.. الكل يصفّق إلا أنا.. جامدة أقف وأنظر فقط.. الكل جلس إلا أنا.. تسمّرتُ.. ويداي كانتا في حالة تصفيق لم يكتمل..

فقط قلبي كان يدقّ بشكل أسرع، وأنا أسأل نفسي مَن هذا الرجل.. هل هو مَن سُكّان الأرض أم أنه قد هبط علينا من السماء، في زمن جافٍ قلّ الرجالُ فيه!

وضع حجر الأساس في الأرض.. ووضعه في قلبي الذي اشتد وعاود الحب مرة أخرى..

سنون مرّت وأنا أحبه..

أسمع.. أقرأ.. أسمع ملاحظات.. أقرأ هجوما.. وربما تعرضت لظلم ممن كانوا يتمسحون بفترة حكمه، ولكن لا شيء انتزع الحب الذي في قلبي لهذا الزعيم..

دائمًا أقول: لو تقتربون منه أو تلتقون به.. فيه شيء خاص.. لا أعرفه.. بل أحسه فقط وأحبه كثيرًا.. إنه زعيم استثنائي في بلد استثنائي.. وبقيت سنواتٍ وأنا أحلم أن ألتقي به ثانية.. ولكنه ظل حلما لم يتحقق..

المرة الوحيدة التي كنت أحدثه فيها دون رقيب كانت من حديقة منزلي وأنا واقفة أنظر إلى طائرة تحلق فوق الشام التي أحبها أكثر من أولاده، لأنه كان أبا لكل أولاد سورية..

لم يكن يقود الطائرة.. ولم يجلس على مقعدها المخصص له..

كان في رحلته الأخيرة للبقاء مع الزعماء والمخلصين والمؤمنين.. هناك إلى جوار ربه..

تطلعت إلى الطائرة الحزينة التي تشبه سماء دمشق في ذلك اليوم الأسود.. سماء لم أرها مكفهرة مغبرة قاسية كيومها هذا، تبكي معي بصمت وحسرة وخوف وحب..

وأنا أقول له: الله معك.. بحبك كتير..

لأشاهد مساءً بالتلفزيون شابا رزينا، يستقبل ويودع.. عرفته من صورة قديمة احتفظت بها لحافظ الأسد وعائلته الصغيرة.. ومن ضمن العائلة كان بشّار يجلس إلى جوار إخوته..

ينظر بعينين زرقاوين صافيتين لا يعرف أنه سيستلم مستقبلًا كمية كبيرة من الحب السوري..

ولتبدأ حكاية أخرى عن العشق الذي لا ينتهي..