mena-gmtdmp

زمن القرصنة الأنيقة


احفظ أنفاسك وتكتم عليها، قبل أن تجد غيرك يشاطرك إياها ويطالبك بمشروعيته في اقتسامها معك، واحرس على أفكارك قبل أن يختلسها آخرون وتلف ألف مرة حول نفسك لتوهمها أنها ليست من بنات لبك بل ربما علقت في يوم ما، في ساعة ما وفي زمن ما بذاكرتك، وقل عنها أضغاث أحلام واحتسب أجرها عند ربك. ولعل عملي معه أوصلني إلى هذه القناعة، وجعلني اكتشف أن وراء أية شخصية بارزة مغارة علي بابا والأربعين حرامي ودهاليز كنز مخفي مسروق وألقاب «أستاذ، بروفسور، السيد البيه الدكتور» توزع هنا وهناك بدون وجه حق، وساطة ومال وعربدة نفوذ جبار يهدك وأنت الضعيف من الداخل وينخر رغبتك في أن تبقى عالي الهمة كالشرفاء وقد تستسلم للعبة الحقيرة التي تلعبها هذه الشخصية و بطريقة وجيهة، فتكون مضطرا كما أفعل وفعلت أنا أن ترقص على مواله وتزغرد له وراء كل كلمة قالها وقد تسرق بحق أو بدون وجه حق في سبيل إرضائه، فقد كان علي من خلال عملي معه أن أطيل حاسة الشم  لأي فكرة علمية جديدة. كان آخرها تلك الفكرة التي أخرجتها بالتحايل من إحدى طالباته كانت تحب أن تعرض عليه فكرة لبحث قد يغير موازين القوى في العالم توصلت إليها،  فكان أن أبلغته إياها، وغدا ترى الفكرة وقد انتشرت في كل الجرائد تحت عنوان «البروفسور كذا وكذا سيغير قوى العالم وهو يخطط في أن يبدأ البحث في كذا وكذا»، لكنها أتتني باكية تواجهني بأمر السرقة فطردتها من مكتبي، فأنا لست سارقة، أنا  فقط أخدم مصالح مشغلي البروفسور والأمر لا يغرو أن يكون إخلاصا في العمل وتفانيا فيه. لكن صراحة، هل يمكن أن نعيش في زمن القرصنة الأنيقة؟ كما يحلو لي أن اسميها دائما، فتكون أو نكون منزهين عن السرقة، السرقة لم تعد تنحصر اليوم في سرقة «ايشارب» من متجر بل امتدت إلى أعمق من ذلك، كسرقة نوتة موسيقية، سرقة فكرة لمسلسل أو فيلم أو حتى رقصة، أو سرقة تصاميم أزياء كما هو الشأن في قضية عارضة الأزياء هايدي كلوم التي تعرض قضيتها على المحاكم لأنها سرقت وبأناقة دائما تصاميم أزياء مخصصة للحوامل، هذه سرقة تسمى «هاي كلاس» وما أكثر شيوعها.  أتعرفون أن عصابة القرصنة الأنيقة لا يريدون أن يترك لنا نحن الفقراء أي ثقوب مفتوحة لنتسلل منها ونسرق أفكارا كما نشاء. كما تجرأت وفعلت تلك الفتاة التي لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها وهي تحكي فخورة على شاشات التلفزة عن كتابها الأول، الذي قوبل بترحيب منقطع النظير لدرجة أن كل وسائل الإعلام تهافتت عليها ترجو حوارا وتتمنى لقاء معها، المسكينة لم يدم فرحها طويلا إذ اكتشف أمرها فهي نزلت على مدونة على الشبكة العنكبوتية وكتبت منها بالحرف الواحد وكلمة كلمة، ولم يسلم الأمر من ذلك بل اختلست قصة فيلم لطالبة، يا للمصيبة!، ورغم ذلك إلا أني أقول إن هذه سرقة يتيمة لأناس يبحثون عن مورد رزق بأي طريقة رغبة في إشباع البطن وقهر الجوع لا في تكديس أموال في البنوك. ولأنها لا تنتمي إلى مافيا „هاي كلاس“ وليس ورائها مغارة علي بابا والأربعين حرامي، فقد نزل عليها الإعلام توبيخا وشتما علنا حين اكتشفوا فعلها الشنيع. القرصنة الأنيقة لا تقتصر على ذلك بل تغلف تحت اسم „نحن نعطيك فرصة عمرك لتشتهر“ لدوي الأقلام الموهوبة في الأدب والصحافة، فتزل على الكتابة، تكتب وتكتب وتكتب وتكتب إلى أن يجف دماغك وتكون قد استهلكت أكثر من علبة حبر اسود وثقلت فاتورة الضوء، والكارثة أن تفاجأ في الأخير  بإقفال الهاتف من المسؤول لأنك تطالب بحقك الشرعي أو تسمع فقط كلمة „شكرا“ لم تكن مؤهلاتك كافية لتكون معنا. عالم مقلوب بهلواني وعليك أن تلعب أنت وسطه دور „المهرج“ والشاطر حسن. البروفسور وريث اللقب سأضل و لازلت أطبل وارقص على هواه واسمع الناس عنه كل موال حسن، وحتى وإن كان فعلا لصا ووراءه مغارة علي بابا والأربعين حرامي، فسأقول له أنت اشرف من الشرف يا سيادة الرئيس، والله يستر أن يرى مقالي هذا. لكن  اهمس لكم بصراحة، في  مرات عدة سرقة الأفكار ليست حراما ولا غشا فلو قدر لي مثلا أن أكون لصة كهؤلاء اللصوص الوجهاء، لاخترت أن أكون لصة  لقصة هاري بوتر الذي جعل من كاتبته من أغنى نساء الدنيا. فيومنا هذا ليس يوم حظوظ بل مافيا وحرفية لصوص وحكاية علي بابا والأربعين حرامي.