سعادتنا بأيدينا

كلنا نأتي للدنيا بحظوظ متقاربة، رغم أن الظاهر قد يبدو لنا عكس ذلك، فالله سبحانه وتعالى يأخذ منا بقدر ما يعطينا، ويعوضنا بقدر ما يحرمنا، وييسر لنا أكثر مما يعسر، فهو رحيم رءوف لطيف بعباده. فلا يوجد هناك بالمعنى المطلق ثري ومحروم، ولا شقي وسعيد، ولا صحيح ومعافى، وإنما هناك عدل مطلق في الموازين الباطنية، فالواقع يقول: إن البشر جميعهم يشكون. لكن الشكوى تختلف من فئة لأخرى، فهناك من يشكو مر الشكوى؛ لأنه لا يجد قوت يومه، وآخر يعاني من الأمراض، وآخرون يعانون من الكآبة، أو الخوف، أو الوسواس، أو الأرق، أو القلق، أو الوحدة، وهناك من يشكو من ضغوط نفسية واجتماعية واقتصادية، وهناك محرومون من نعمة الإنجاب. وعلى الرغم من نشاط الأصحاء، وضعف المرضى، وتعب الكادحين، وخمول الكسالى، وغنى الأغنياء، وفقر الفقراء؛ فالحصيلة النهائية من السعادة والشقاء متقاربة، فالمعاناة والسعادة لا تصيب فئة معينة دون أخرى، فهناك قاسم مشترك بين جميع البشر تتوزع فيها الأرزاق، والأعمار، والصحة، والشقاء، والسعادة بحكمة وعدل، وتتباين بالدرجات، وتتفاوت بالنسب، لكن الاختلاف يكمن في النفوس المؤمنة الراضية التي أدركت بعقولها، وسلمت إلى الله في ثقة، وقبلت ما يجري عليها، هم فئة قانعة بأن في ذلك عدلاً مطلقًا، فلم يتعبوا عقولهم فأراحوها، وبالتالي أراحوا قلوبهم، وأبدانهم، فارتفعوا فوق أزماتهم، وتجاوزوا شقاءهم، وتيقنوا أن وراء كل موقف حكمة وعظة وامتحانًا. وعندما نعرف كل ذلك لماذا لا نسأل أنفسنا هل نستحق أن نحيا في هم وغم ونكد، ونتلذذ بشقائنا، ونتكدر بضغوطنا، ونحن نعلم أن هناك حلولاً ومخارج لأعقد المشاكل التي تواجهنا، علينا ألا نستسلم ونسمح لها بأن تفقدنا الثبات والاتزان والمناعة، وألا نحمل أنفسنا فوق طاقتها، ولنفكر دومًا في الأمور الإيجابية، ولنتحكم بأنفسنا، وبمشاعرنا، وبردود أفعالنا، فسعادتنا بأيدينا، فالصدق مع النفس مهم لراحتنا فلا نحاول الظهور بصورة مثالية، ولنكن أنفسنا في صوتنا، وحركاتنا، وتصرفاتنا، كل ما علينا فعله أن نحسن التخطيط لمستقبلنا، وننظم أعمالنا، ونرتب أولوياتنا، لنحمي أعماقنا من الإحساس بالضغط، وبالتأكيد سنحلق مع الدعاء، ونحسن الالتجاء إلى الله ونثق بأننا نأوي إلى الشديد القوي، فهو سبحانه من يمنحنا القوة، ويخرجنا من أزماتنا، وضغوطنا 

همس الأزاهير

 أمر لم تأت به ولن يذهب معك، لا يستحق أن يأخذ منك كل هذا الهم

أنين الحياة

وتبقى السنة الربانية «فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا»، صادقة، سواء كان الفرد مؤمنًا بها أو غير مؤمن، ويبقى الفرد في أعقاب كل أزمة بحاجة لطرح سؤال على نفسه: ما الحكمة مما حدث؟ وقد يجد هذه الحكمة في لحظة الأزمة، وقد لا يدرك الحكمة والفائدة إلا بعد مضي زمن قصير أو طويل، إلا أنه في كل الحالات يبقى أمل مع كل مأساة

 

د. ميسرة طاهر