كذبة أغسطس

 

يحاول أغسطس أن يقنعك بأن البحر بالمجان، لكنك تكتشفين أو تعرفين أن الوصول إليه يمر من أبواب دونها أبواب، عند كل باب تدفعين مكوسًا وجمارك.

يحاول أغسطس أن يقنعك بأن الرمل ذهبي وناعم ودافئ، وأنه منتشر كالشعاع، لكنك حين تصلين إلى المدينة الساحلية، التي كانت زعيمة الصيف وملكة التصييف تكتشفين -أو تتذكرين- أن المدينة قد أُكلت شطآنها، وابتلع الأسفلت رمالها الذهبية، ومعها كل تراث الشماسي وبيوت الرمال والجاروف والطوقة والبراميل والبلسوار والغواص والراية السوداء عند هياج البحر، الحمراء عند اعتداله، والبيضاء عند بلوغه قمة الروقان، حيث يسترخي مفكك الأوصال كالحصيرة أو البساط، وهو في غاية الانبساط.

يحاول أغسطس أن يخدعك ويلاعبك لعبة «من منا الأذكى والأمكر؟» حين يأمر محاراته البحرية أن توشوشك بالأشعار، وهي هواية في هذا الحر والرطوبة تعد سخيفة.

تحاول طرطشات الموج المرتدة من الصخر البني الناتئ (العاقل الوحيد في هذا الهذيان)  أن تنعشك؛ لتأخذك النسمة في سفر من الخيال، لكن المحمول المثبت في جراب ليقيه شاعرية البحر المخربة يرن بأغنية لفيروز تناسب المقام، لكنها لا تناسب المكالمة التي تستدعيك للعودة فورًا إلى عملك، أو يسألك أخوكِ أو زوجكِ: كيف تخرجين وحدك؟ ارجعي على الفور.

تكتشفين أنك حافية، وهذا لا يصح حتى في حضرة البحر العظيم.

تكتشفين وأنت تلبسين قدميك الحافيتين قناعهما الواقي أن من عادات أغسطس «الرذلة» ادعاء أنه الكاهن الأكبر للبحر، المفسر الوحيد لفوازيره، والوسيط الأوحد بينه وبين الناس، ينقل أسراره إليهم، وأشواقهم إليه.

لا يعلم أغسطس –بكل ذكائه- أنه مكشوف الدعابة، وأنه عصبي المزاج برغم ادعائه الهدوء والوجه المبتسم في كل الوجوه، لا يعلم الشهر الثامن أن كل الرومانسيات التي يحاول أن يشيعها بين الناس لا تناسبه على الإطلاق.

فهو في المدن الساحلية التي أكلت شطآنها مروج عجوز أو مروج أفكار مخدرة، أو بائع بضاعته الوهم والحر والرطوبة، أما في المدن الكبرى البعيدة عن البحر فهو ليس أكثر من عضو موسمي، ينضم كل صيف لعصابة التلوث والزحام وعادم السيارات والشمس المهلكة وتوتر الأعصاب والرطوبة اللزجة وتوقف المرور وشجار السائقين.

لن تكتشفي شيئًا بل أنت تعلمين علم اليقين أيتها السيدة التي كان يجب أن يعاملها الصيف معاملة ألطف من هذه أن كذب أغسطس في المدينة البعيدة عن البحر القريبة من حافة الجنون أقل ما يوصف به أنه مكشوف الوجه وبلا حياء.

أعطنا يا أغسطس لمحة رومانسية واحدة لطلعتك البهية على مدينة تعرف الزحام ولا تعرف البحر.

سيقول أغسطس:

أغمض عينيك وأنت ترى.