mena-gmtdmp

كعك الهوى ـ 2 ـ

يبدأ الأسطى أحمد إبراهيم بفصل في الأسماك، ويبدأ الفصل بالشوربة التي تعد لزوم التسخين، كما تبدأ بها الموائد يبدأ بها الكتاب، يخبرنا الأسطى أحمد أن الشوربة تعد من سمك القاروس أو الوقار (في الشتاء) ومن اللوت (في الصيف)، يحدد الكمية بنصف أقة سمك، حيثُ توضع حلة ماء على النار، ويوضع في الماء بعض الجزر المبشور وكرفس وبصل وقليل من الفلفل، وبعد الغليان تضع عليها السمك، ثم يصفى ماء السمك ويعصر عليه ليمون أو بعض الخل، وتوضع الشوربة على نار هادئة.

ويبدي الأسطى أحمد نصائحه بخصوص السمك، فيقول إن سمك المرجان لا يؤكل إلا مقليًّا، وكذلك سمك البربون، وأما السمك المسمى (صول) بالإفرنجي وبالعربي سمك موسى، فلابد أن يؤكل مقليًّا أيضًا، أما سمك البوري فلا يصلح إلا للشي، كذلك سمك الدنيس، ثم ينتقل إلى الكباب المتخذ من السمك وينصح بنوع الوقار، ويتم خلع جانبيه ولحم بطنه ثم يقطع قطعًا صغيرة على هيئة الكباب، وتوضع تلك القطع في صحن كبير، ثم ينزع باقي اللحم من العظم ثم يفرم جيدًا، ويضاف إليه جزء من البصل والبقدونس والنعناع والثوم والفلفل والملح والبهارات، ويفرم الجميع ثانيًا فرمًا جيدًا، وبعد ذلك توضع في الأسياخ وتلقى على نار هينة، وتقلب الأسياخ ويقطر عليها بعض الزيت لأجل تحسين تحميرها، وهكذا تكتمل كفتة السمك.

أما «البياظ يخني» فأكلة عثمانية، كما هو واضح من الاسم، وينصحنا الأسطى أحمد لإعدادها بأن يقطع السمك إلى قطع متساوية وتحمر في الزيت، ونقشر جانب ثوم قيمة القدر المعلوم، ويحمر في الزيت الذي يحمر في السمك، ثم في صينية بعد تحميره ترص عليه السمك، ويصفى الزيت في إناء آخر، ثم يفرم جزء بصل ويحمر في الزيت، وقبل تحميره نرمي عليه ملعقة دقيق، ثم يضاف إليه خمسون درهم خل وخمسون درهم ماء طماطم، ويوضع الجميع فوق بعضه، ويضاف للسمك المحمر الموجود في الصينية، وبعد وضع الملح والفلفل، وقطعة صغيرة من عود الإكليل –اسمه بالعربي حصالبان- وقطع ليمون صغيرة بقشرها، يتم البياظ يخني من ناحية الإعداد، لكن تبقى التسوية، وتبدأ عندما توضع الصينية في الفرن، وهذا فصل المقال في موضوع البياظ يخني.

لننتقل إلى قسم اللحوم التي تقدم عادة على المأدبة بعد الأسماك، الأنواع عديدة، لكنني سأتوقف أمام الفصل المعنون «استعمال كباب راعي الغنم»، الذي يقال له بالتركي «شوبان كباب»، وكيفية تحضيره أن يوضع جزء بصل في الحلة وفصان من الثوم وجزرة مقطعة وكرفس، وطماطم كل واحدة مقسومة إلى نصفين، ويوضع هذا كله في أرضية الحلة بالتساوي، ثم نحضر قطعًا من زنود اللحم تكون متساوية، وترص فوق الأشياء التي وضعت بالحلة أولاً، ثم نعصر نصف ليمونة، ونرش الملح والفلفل، ويضاف عصير الطماطم، وبعض من كمون، وبعض من فلفل، وقرنفلة واحدة بالعدد، وملعقة سمن، ثم يتم إحضار فرخ ورق غليظ، وهو ما يسمى بورق اللحم -نوع غليظ كان يلف فيه الجزارون أنواع اللحم- وتلصق عند حوافه عجينًا، ويوضع فوق الحلة، والورق يغطي الأصناف المذكورة حتى لا تتبخر رائحتها، توضع الحلة على نار هادئة حوالي ساعة، وعندما يتبخر الماء نطفئ النار وننزل الحلة وننزع الورق، لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، فمازالت ثمة خطوات يصفها لنا بمهارة واقتدار، يقول ما نصه:

«يستخرج اللحم من الحلة واحدة، واحدة بدون أن يحصل له تقاطع حتى تبقى الأرضية، ثم تصفى من الأرضية المسلي، وتعطي لما هو باق بالحلة قيمة عشرين درهم ماء، وتقلبها جيدًا بكبشة حديدية أو مغرفة خشب، ثم يتم تصفيتها من خلال منخل سلك، وبعد التصفية توضع الخلاصة بحلة صغيرة فوق النار ونعصر عليها نصف ليمونة وجانب كمون، ويضبط الملح جيدًا، فتبقى فيه لذة عجيبة الشكل، ويصير الماء متجمدًا مثل المهلبية الخفيفة لكثرة قوتها؛ لأن خلاصة اللحم المذكورة جميعها بقيت بهذه المياه، وتضعها قرب الأكل فوق اللحم المذكور، انتهى صنف كباب راعي الغنم.

الأصناف عديدة والطرق متنوعة، ولنا أن نتخيل المائدة التي كانت تصفُّ يوميًّا للخديو وضيوفه، هل كان أحدهم يفكر في الخطوات المعقدة التي تمت عند إعداد الوجبات التي تقدم مزينة، جذابة وربما لا يتناول الخديو منها إلا مقدارًا يسيرًا وربما لا يقربها؟

بعد السمك واللحم ننتقل إلى الحلوى، وأختار منها اسمًا أعجبني، هو «كعك الهوى»، وأسماء الحلويات للمهتمين تثير التساؤلات، فهناك «صوابع زينب» و«برازق»، و«كل واشكر»، وهذا كله عرفته، لكن «كعك الهوى» هذا لم أسمع به، وهذا ما ينصحنا به الأسطى أحمد الذي ينسب هذا الصنف إلى الشام.

يتم إحضار أقة دقيق نمرة واحد، وتعجن بعد خلطها بالماء، وتدعك جيدًا لمدة ربع ساعة أو عشرين دقيقة، بعدها راحة لمدة ربع ساعة، تقطع عشرين قطعة وتفرد، ثم تحضر نشابة صغيرة وتفرد العجينة على رقائق صغيرة، ثم تلف الرقائق حول بعضها، وتكشكش باليدين من الطرفين، ثم تقسم بالسكينة قطعتين وتدوَّر مثل الكعكة ثم توضع بالصينية، بالطبع يكون عجن الدقيق بماء الورد والبيض المخفوق، واللوز المدقوق والفستق أو الجوز، هذه عجينة تصلح لكل أنواع البقلاوة ومنها أيضا «كعك الهوى».