من آثار الحرب

لم أستغربْ ما نشرتْهُ وسائلُ الإعلام عن تقرير يُعدِّد الأضرار النفسية والعقلية التي أصابتْ أفراداً في الجيش البريطاني المتواجد في أفغانستان.

فمن أصل 9500 جندي، يتلّقى تسعة آلاف منهم، علاجاً نفسياً وعقلياً. وهذه التقارير صادرة عن وزارة الدفاع البريطانية. أي أنّها موثّقة ومؤكّدة.

وهذه ليست حالةً فردية أو استثنائية. ويمكننا فهمها ببساطة وسهولة.

ولماذا يُنتَزع الشباب من أحضان أمهاتهم، ومن بلادهم الآمنة، ليُزَجَّ بهم في ميادين الصراع وساحات الوغى؟

وهي ليستْ حرباً للدفاع عن حدود بلادهم، بل تدورُ رَحاها بعيداً، وفي بلاد نائية حيث لا يفهمون اللغة ولا الحضارة.

ربما كان هناك تعويضٌ معنوي لدى الشباب، عندما يخوضون حروباً، لدرء الخطر عن أوطانهم، ولصدّ عدو مهاجم.

بل كان ذلك عبْرَ التاريخ، ولا يزال يُعتبر من البطولات، كما أن الموتَ في سبيل الدفاع عن الوطن شهادة.

أعادَني التقرير بالذاكرة إلى أيام الدراسة الجامعية، في خمسينات القرن الماضي، وحين عرّفنا أستاذ الأدب الإنكليزي إلى لون جديد من الأدب، بمادته ونكهته، وقد كتبَهُ شبابٌ أميركيون عادوا من جبهة القتال، وكانوا في عداد المجنّدين في جيوش الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية.

ووجدنا في نتاجهم لوناً جديداً من الكتابة، فإلى جانب وصف الحرب وويلاتها، يعود الكاتب، من خلال الكلمة، إلى ذكريات العاطفة والوجدان. وإلى الحياة الحلوة في المكان الأول، حيث يسود السلام، وله فيه أهلٌ وأحبّاء.

واذا كانت الكتابة هي سيرة للحياة المستمرة، فمن الطبيعي أن تتنقّل أقلام أولئك الكتّاب بين المكانين: الأول، وفيه ذكريات الطفولة، الحبّ والحنان في الحضن الأول ووعود الأحلام. والثاني يمثّل الغربة القاسية، والشعوب المعادية والشراسة. والخروج النهائي من كل رادع أو تأنيب ضمير.

ويبقى السؤال الكبير الذي يمكن أن نطرحه للمناسبة؛ هل يتعلم الناس من تجاربهم القاسية؟

وإذا كانت هذه الثمار المُرّة التي تورثها الحروب، فلماذا تُعاد وتتكرّر؟...