mena-gmtdmp

21 مارس

ترتاح الأمومة على صدري، كأنها طفلتي.. أنبع من قلبها لأصب في حجرها، تنفجر الأمومة كالربيع في الربيع.

21 مارس، الانفجار السنوي للزهر والحُب والبرقوق، يختبئ البرد نهائيا ويتراجع أمام الدفء في مارس على الأقل في بلادنا، ففي البلاد الباردة الربيع في مايو.

الأمومة كالحب، قد تقابل أمومة عابرة فتسكنها، لتكون أكثر أمومة من كل أم، وقد تقابلين فتاة في عمرك فتصير صديقة لك أقرب إلى قلبك من أختك، ويقول المتفلسفون في هذا الأمر إن الصديق نختاره وفقا لميلنا ومزاجنا، أما الأخ أو أفراد الأسرة فهم مكتوبون علينا كالوطن وملامح الوجه.

لن أطيل عليكِ يا عزيزتي في هذا الموضوع، لنعد للأم وعيد الأم،

 ماذا اخترت لأمك هذا العام؟

هل لجأت للورد ليتحدث عنك بالعطر واللون والملمس الطري الناعم، فيقول لماما: كم أحبك! أم ذهبت للعطر المكثف المركز في زجاجة بارفان، أم ذهبت لمحلات الملابس فاخترت شالا يحضنها بالنيابة عنك؟

وحين يأتي عيد الأم، ماذا تتذكرين من حكايتكما المشتركة؟ إن كنتِ قد تزوجتِ، فماذا فعلت ماما؟ هل بكت فرحة بك؟ هل دارت دمعها على فراقك؟ هل نقلت لك خبرتها وحكمتها، أم أخرستها السعادة وشرقت بالدمع، لحلمها، أغلى أحلامها الذي تحقق فشعرت، ضمن ما شعرت من عواطف دافئة، بغصة الفراق؟

هل تتذكرين ما قبل ذلك بكثير؟ بكثير جدا؟

قال لي صديق إنه يتذكر أمه، وهو ما زال يرضع منها، ويتذكر الفطام وصدمة الفراق، والخروج من الدفء والحنان.

لكن هذه حالة متطرفة بالطبع، فقولي لي ما أبعد ذكرى تحتفظين بها وكانت فيها أمك؟

أنا شخصيا أتذكر سريرا واسعا في حجرة واسعة وأمي تهنِّنُني تهنينة مرحة، وهي ترفعني في الهواء ثم تتلقفني، والليل خارج النوافذ أزرق.

مهما كانت ذكرياتك المبكرة، بالتأكيد تتذكرين يدها الحنون تجدل شعرك في ضفيرتين، وتربط في كل واحدة شريطا ورديا، وتدفعك برقة إلى الباب؛ كيلا يفوتك جرس المدرسة.

أذكر أن أمي هي التي علمتني كيف أربط حذائي، لم تسعفني المهارة اليدوية لتعلم الربطة التقليدية التي لا تنفك بسهولة، فعلمتني أمي ربطة مبسطة ظلت تسبب لي مشاكل لمدة تزيد على ربع قرن، فكان الرباط ينفك وأعقده من جديد عدة مرات، حتى اهتديت بعد ضلال طويل إلى الأحذية الموكاسان، حيثُ لا رباط ولا يعقدون.

ما الأكلة المفضلة التي تحبين أن تأكليها من يد أمك؟

هل تعرفين الملوخية؟ إنها أكلة مصرية لا أدري مدى انتشارها الجغرافي خارج مصر، ربما كنت تأكلينها أو سمعت عنها، على كل الأحوال، أتذكر يدها وصحن الأرز بالملوخية، وحين اتسع أفق الرؤية عندي دخلت الأرانب المحمرة إلى جانب صحن الملوخية والأرز، وحين زادت ثقافتي المطبخية بتراكم الخبرات والوجبات، رأيت أمي وجدتي إحداهما تضع على السفرة كفتة على شكل كرة لها صوص أحمر يسمَّى «دِمعة»، تضاف إلى الملوخية فتعطيها مذاقا مختلفا عن تعاطيها الصرف.

لكننا غطسنا في صحن الملوخية أكثر من اللازم، فلتذهب هي ودمعتها إلى حوض الغسيل!

لنعد لأمهاتنا، وحنان أمهاتنا, هل تتذكرين مرة ضربتك فيها ماما؟ أنا أتذكر، ضربتني بشبشب أخضر، وكنت قد اختبأت منها تحت مائدة الطعام، لكنها شدتني من تحتها وانهالت علىّ بتلك الفردة البلاستيك الموجعة.

لا تظني أمي متوحشة، بالعكس.

ربما هذه هي المرة الوحيدة التي ضربتني فيها، حسب ما أتذكر، لكن الذي يغيظني وما يثير حنقي أني لا أتذكر الجرم الذي ارتكبته! فكأنني عوقبت ظلما، رغم أني متأكد من عكس ذلك.

لكن هذا الظلم أو الغيظ من ظلم وهمي لن يمنعني من الذهاب لأمي في عيدها ومعي هدية بسيطة لكنها تحمل معنى بليغا.. وربما حملت هديتين، فعيد ميلاد أمي 17 مارس، لكن وسواسا لعينا يزين لي البخل ويقول:

فرصة، هات لها هدية واحدة تقضي الغرضين، ولن تمانع. هو وسواس لعين، لكنه مغرٍ، وكل عيد أم وأنتما طيبتان.