تسع أغانٍ قال صابر الرباعي فيها ما لم يقل، وجّه رسائله يمنة ويسرة بكل اللهجات العربية المتاحة... خاطب «أحاسيس» الناس من شرقهم إلى غربهم بصوت واضح المعالم، طروب، قادر، حنون، قوي ومثقّف.
فبعد تسلّله من خلال أغنيته ضمن جديده التي لفتت الأنظار (نمشي)، يفرج صابر مرّة جديدة عن مخزونه الفني ليضع النقاط فوق الحروف، وليؤكّد أن الموسيقى العربية ليست صماء ولا بكماء، فحلاوة الصوت والطرب مخزون يكتنزه الرباعي منذ إطلالته الأولى... فبعد استعراض طال قليلاً، حان وقت التسجيل لأهدافه الفنية التي دافع عنها من خلال تجربته الناضجة ومن خلال انتقائه لمجموعة أغانٍ غذّت الروح، وظلّت تراوح وتناور في ظلّ «الانفلات الفني» الذي شجّعته وسائل إعلام مرئية ومسموعة معتمدة على ذوق مجموعة من الإعلاميين «الدهماء» ومن الفراغ، ومن اللاهثين خلف أسماء ارتبطت بحجم «الشفايف» وعرض المناكب وما إلى ذلك من انتشار واسع للفن «السيليكوني»....
(عد حبايبك) الأغنية الأولى في شريط الرباعي هي رسالة تقرأ من عنوانها... فما أن تسمع نقرات الرق ومن بعده نقر الوتريات مجتمعة لتخرج لنا أغنية مصرية كاملة الأوصاف من ألحان أشرف سالم.
عد حبايبك كام هناك وكام هنا
بعت الكل حرام مش فاضل إلا أنا
عد حبايبك كام
حمّل صابر كلمات هذه الأغنية بُعداً رومانسياً قلّ نظيره اليوم. قد نجد من ينافسه في هذه الزاوية وهو غريب آخر عن الديار المصرية وائل جسار. فكلاهما قادر على إعادة ما أهدره الفنانون المصريون من دم الأغنية المصرية الطربية الحديثة.
وبنقلة منطقية يذهب صابر إلى أجواء لبنانية خارج نطاق «الدربكة» وبكلمات خالية من التهديد والوعيد والنصائح الساذجة:
(ياعسل يللي كلك سحر/ والله مكمل جمالك/
والله شربتي من ميه البحر /تحلى المي فيلساني/
ياحرام شو عملتي فينا /مثل الورق طيّرتنيا/
من إيقاع الوحدة أربعة على أربعة ينتقل إلى إيقاع المقسوم وهكذا تسير النغمة بنزهة مسائية نحو جبل لبنان، تاركاً شبابيك السيارة للهواء الذي يداعب شعر لبنانية جميلة.
(انشالله ربي) من الراي الجزائري الذي بات من الأعمال الشعبية العربية مع إضافة خبرة وصوت الرباعي الذي تألّق في أداء هذا اللون الجزائري المحض... إيقاع حديث بمرافقة آلات النفخ ليلتقي التوزيع الموسيقي مع أغانٍ من الثمانينات (Celebration) لعلها الأجواء الاحتفالية ضمن الأغنية أخذت الموزع إلى هذا اللحن الغربي.
كما عوّدنا في إنتاجاته السابقة المرور على الأغاني ذات الطابع الرومانسي، تأتي أغنية (بعشقك) باللهجة المصرية بإيقاع هادئ وكلام رقيق (أنا بعشقك ليه لأ/ وعندي ألف حق/ وما لقتش أحن منك/ في الدنيا ...) ليعود بنا إلى (أغنية أجمل نساء العالم) معتمداً على نجاحها مفسحاً المجال لصولو الغيتار الذي أضاف للأغنية بُعداً موسيقياً أضفى أجواءً عاطفية تلزم لهذا النوع من الأغاني.
(عاشق مغروم) عنوان الأغنية التونسية التي ستحظى باهتمام الجمهور العربي رغم تغيير الكلمة الثانية في عنوان الأغنية ـ وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن اختلاف اللهجات، قد يجعل من كلمة جميلة محبّبة في تونس، كلمة ذات معنى «سيّئ» في بلاد الشام،.. وتنتمي هذه الأغنية إلى (هالله هالله يابابا وسلامي عليك يا بابا) وهو الغناء الشعبي التونسي الممتدّ من زمن الأندلس مروراً بالمتصوّفية وصولاً إلى الحداثة.
(حب الأسمراني) من الأغاني التي ستمكّن صابر من العبور إلى قلوب المصريين... فالإيقاع المصري وتحوّلات المقام في المقدّمة الموسيقية يذكّران بزمن الأغاني المكتملة، خاصة صولو (الساكسوفون) وأصوات الكمنجات التي ترافق صوت صابر بهارموني شعبي، طربي قلّ نظيره.
(ما تبكيش)... مرة جديدة في هذا الألبوم يقوم صابر بما كان عليه أن يفعله منذ زمن بعيد وهو تقديم الغناء التونسي الجميل. وأي صوت أجدر بتقديم الأغنية التونسية بعد رحيل ذكرى سوى هذا النجم الموهوب؟
مختلفة هذه الأغنية بأجوائها عن باقي الشريط. فالموسيقى حاضرة بالإيقاعات الأفريقية والصولوهات التي تطلّ بين الكلمات لتحمل المواصفات العالمية. الأكورديون هو أبرز الآلات فيها مذكّراً بالأغاني الفرنسية التي تركت آثاراً إيجابية على البيئة التونسية.
(أنا والعذاب) وإن تلاقى هذا العنوان مع أغنية جميلة (أنا والعذاب وهواك) للراحل محمد عبد الوهاب، إلا أن هذه الأغنية في زمن آخر (أنا والعذاب صرنا أغلى أصحاب). هنا أيضاً يعود إلى اللهجة البيضاء متّكئاً على أصوات الكمنجات الموزّعة بشكل احترافي برفقة بيانو كهربائي وأصوات الكورس التي تهمس بين حين وآخر.
تعامل صابر في هذا الألبوم مع عدد من أهمّ الشعراء والملحنين والموزعين منهم بهاء الدين محمد، أشرف سالم، رضا الخويني، صلاح الكردي، فهد، عصام شرايطي، سليم عساف، وليد سعد، مارك عبد النور، أيمن بهجت قمر، هاني عبد الكريم، محمد مصطفى، منير الجزائري، أحمد ماضي، أحمد الماجري، داني الحلو وغيرهم.
في هذا الألبوم، يعلن صابر الرباعي تحدّيه للنجوم الذين طرحوا نتاجهم لعام 2011 وإن جاء متأخّراً قليلاً بسبب ما شهدته تونس من تحوّلات انعكست على سير الحياة العامة. بهذا، يكون صابر قد أعاد الحضور التونسي إلى الساحة الفنية مفسحاً الطريق أمام أجيال من الشباب التونسي الموهوب ليقدّم لنا فنوناً من الأرض التونسية، وهي فرصة للقاء الأصوات الخاصة القادمة من المغرب العربي.