mena-gmtdmp

بسام كوسا «متوحّداً» على عرش الدراما

 بسام كوسا «متوحّداً» على عرش الدراما


الفرصة سانحة للكتابة عن ممثل فنان، قد تخصّه بعض المطبوعات وتعرض له صورة، أو تنشر عنه مقالاً وصفياً، أو نقدياً، يتناول حضوره في رمضان على الشاشة من ضمن الأعمال التي تعدّ خصيصاً للعرض في  الشهر الكريم. لكن بسام كوسا، وإن كان لا يحتاج لأي سطر من محاولتي هذه للكتابة عنه، يفاجئنا ككل مرة كيف يكرّم هو ذاته شخص الممثل من خلال حضوره في الأعمال الفنية الدرامية.

مسيرته حافلة بأدوار راكمت معرفة عند مشاهديه الذين وقعوا في احترام مهنة التمثيل، رغم المظاهر الدخيلة على هذا العالم الذي دخلته مجموعة من الورثة لأهلهم الفنانين، وآخرون جاءت بهم مفاهيم عصرية لا تنتمي إلى مدارس فنية بل تعتمد على مفهوم (الموديل). إلا أن مسيرة هذا الفنان تؤكّد أن هذا العمل ليس لمن يتمتّع بطول كغصن البان، أو «خصر» يميل لإرضاء المنتج والمخرج، ورجل الأعمال المنتظر لعقد القران على الفنانة (المتألقة).

فمرةً، نجد بسام كوسا في شخصية نصّار من مسلسل «الخوالي»، مناضلاً سورياً، مقاوماً هارباً في الجبال، يُعدم في ساحة حارته في مشهد لا يقلّ درامية واحترافية عن مشهد الإعدام الذي قدّمه الممثل ميل غيبسون في فيلم «القلب الشجاع»، كمناضل في سبيل تحرير إسكوتلندا.

ومرةً أخرى، نرى بسام كوسا بشخصية «المخرز» في «ليالي الصالحية»، الشخصية المشبعة بالشر والحقد. وكوسا في «ليالي الصالحية» شرير لدرجة أنه يصادر الشاشة، يملأ الكادر حقداً وانتقاماً. ونتابعه في مسلسل «الحوت» ليتماهى في شخصية انتهازية وشريرة من نوع آخر، ليبرز تقنية جديدة في أدائه دون أن يقع في فخ التكرار... مرةً يكون موظفاً بسيطاً وأخرى مثقفاً ومرّات إلى جانب مجموعات من الأبطال مبتعداً عن البطولة الفردية ليتناغم مع زملائه الذين أعلوا من شأن الدراما في سوريا.

في زحمة المسلسلات المعروضة، يبرز بسام كوسا في دور قد لا يكون أول من طرق بابه، لكنه نجح إلى حدّ كبير في تقريب هذه المعاناة إلى المشاهد، مرض «طيف التوحّد» الذي يتخطّى المصاب به لينتقل إلى كل أفراد عائلته، أو تلك الحالة من الصمت الرهيب الذي يدخله الإنسان خائفاً متوجّساً طوال حياته... نجح بسام كوسا في لفت الإنتباه إلى أناس مسالمين يستحقون منّا نحن اللاهين والغارقين في «نكباتنا» الممتدّة من حدود معرفتنا بهزائمنا إلى المستقبل الواعد بكثير من القلق، في ظل المفاهيم الاجتماعية المهترئة في بلاد العرب التي تجيز العبث بمصير ذوي الإحتياجات الخاصة والعامة، محاولة طمسهم قائمة قدر الإمكان، وتركهم من دون وجود خطط للنهوض المجتمعي، فالإعاقة مرفوضة برمّتها، إلا في حالات استغلالها.

"وراء الشمس" اسم المسلسل الذي يقدّمه بسام كوسا إلى جانب نخبة من الممثلين السوريين الذين عاشوا مع مشاهديهم فترة شهر نتبادل فيها الطاقة الإيجابية، فرصة للتأمل في غياهب النفس البشرية من خلال قصة مجموعة أناس بمعاناتها وفرحها... شاهدنا لحظات التجلي الفنية عند نجوم المسلسل الذين أدخلوا إلى جانبهم ممثلاً من ذاك العالم، وهو الشاب علاء الدين الزيبق ابن الـ 22 عاماً الذي اختاره مخرج المسلسل سمير حسين من بين مئات المصابين بمتلازمة «داون»، بعد إخضاعه لورشة تدريب على مدار أربعة أشهر.

تطلّب الأمر جهداً مضاعفاً من فريق العمل في كيفية توظيفه أمام الكاميرا، لكنهم استطاعوا أن يحوّلوه في النهاية إلى ممثل موهوب، قادر على التفاعل مع حركة الكاميرا بشكل جيد. أسماء مهمة كانت إلى جانب بسام كوسا منهم صبا مبارك ومنى واصف وباسل خياط وسناء دبسي ونادين خوري وسليم صبري وميسون أسعد والشاب علاء الدين الزيبق وآخرون، إلا أن بسام يتكرّس ممثلاً مبدعاً مع سبق الإصرار والترصّد، فنان يحتلّ الذاكرة، وأعماله الفنية تمنحه كل الألقاب التي يحتاجها موهوب كي يستمر على مسرح الحياة.

 

«ضيعة ضايعة» يسرق المشاهد تلو الآخر ..

 

أقلعت عن عادة متابعة المسلسلات بشكل دوري بعد انتهاء عرض مسلسل «ليالي الحلمية»، وقرّرت حينها ألا أكون (عبداً) لأي مسلسل. لكن، لن أمانع بمشاهدة ما يمرّ أمامي من دون أن أغرق في المتابعة اليومية... إلا أنه سرعان ما تبعثر هذا القرار، حين وقعت على حلقات من مسلسل اسمه «ضيعة ضايعة». اعتقدت في البداية أني سقطت في فخ الطبيعة التي يصوّرها «مخرج الضيعة» الليث حجو من زوايا جذابة لدرجة تجعلك تسير على طرقاتها، وتشمّ رائحة أرضها، وتستمع إلى أصوات سكانها القادمة مع الريح التي تضرب شجر الزيتون أو الصفصاف أو أيّ أشجار أجهل اسمها، لا أهمية لها سوى أنها قرّرت أن تكون مصيفاً للعصافير الهاربة من صخب فقدنا السيطرة عليه، وتحوّل إلى «غول» ينهش مدننا المسلّحة بالأسمنت.

خرجت من صورة الطبيعة، لأجد ذاكرتي تسحبني إلى شخوص الممثلين الذين يلبسون أصوات أناس وهيئاتهم، يخوضون في حوارات انسيابية كتلك العفوية التي تبدأ من شاطىء البحر حيث يذهب بنا المخرج إلى مخفر الشرطة الغارق في رائحة البيض المقلي، بصورة لا تنقصها الكوميديا السوداء... مضحكة مبكية شدّة الحقيقة التي تلقفها كاتب الحلقات ممدوح حمادة الذي خزّن في ذاكرته أوجاع أو أفراح أو لحظات عشق يسرقها مثقف القرية الذي وقع في غرام عفاف... لكن مؤامرة بين المخرج والكاتب قد تجعل من عفاف ابنة المختار بيسي أجمل قصة حب، بالرغم من أن عفاف لا تستغني عن حذائها الذي ما إن يحاول العاشق أن يتخطّى حدود معرفتها حتى تنهال عليه بالشتائم مصوّبة حذاءها نحو رأسه، وتطرده قبل أن يكتشفه المختار الذي تخصّص في اصطياده أيضاً بحجر كلما قبض عليه تحت الشباك يلقي قصائد حبه لابنته (عفوفي).

«ضيعة ضايعة» نقطة تحوّل في الدراما العربية، فهو إشارة إلى أنه لا ضرورة لكل هذا الإفراط بالإنتاج، ولكل البحث الدؤوب عن أعمال تتحرّك فيها المجاميع يسرة ويمنةً، صعوداً ونزولاً... الفرق بين عفوفي وكليوباترا أو الملكة نازلي.. أن عفاف حقيقة وهنّ وهم، الفرق أن عفوفي لا تصادر العمل الفني وتجعله تحت سطوتها وتختمه «بالشمع الأحمر»..