سجالات أصالة وحلمي بكر مسلسل لا ينتهي

سجالات أصالة وحلمي بكر مسلسل لا ينتهي

الفنانين تمتدّ أحياناً لتصبح مملّة، وزلاّت اللسان وسرعة الغضب تصبح مادة دسمة لأهل الصحافة الفنية ليشبعوا أنفسهم ضرباً، فهم دائمو البحث عن «جنازة».

من هو الأساس في لعبة الشهرة: الملحن أم المطرب؟  الصوت الذي أوصل اللحن أم اللحن الذي أوصل الصوت؟

الشاعر الذي كتب للصوت أم للملحن؟

أسئلة مشروعة، لكن الجواب عليها قد يكون بسيطاً للغاية، وهو أن الثلاثة أساس الأغنية. لكن، حسب الأعراف المعمول بها حالياً، فالمطرب هو من يصادر حقوق الجميع بمن فيهم المخرج والعازفون، وكل من يعمل في كواليس المشهد الذي ينتهي بصورة على المسرح، المطرب متقدّم في الواجهة على أكتاف جميع العناصر المسبّبة له بكل الربح المادي والمعنوي.

صف الشعراء كان طويلاً أمام أم كلثوم، والملحنون كانوا ينتظرون الفرصة التي ستسمح لهم بالعمل مع هذا الصوت الجبّار. لكن، هذا لم يقلّل من شأن من لحّن لها أو ارتبط اسمه باسمها، لأن أشعارهم وألحانهم لم تكن لتقلّ أهمية عن صوتها الذي اجتاح البلاد من شرقها إلى غربها، ليسأل الناس من لحّن «الأطلال» (لرياض السنباطي) أو «إنت عمري» (لمحمد عبد الوهاب) وسمّيت حينها بـ «لقاء السحاب» بينهما... من لحّن «هو صحيح الهوى الغلاب» (زكريا أحمد )؟ ولأحمد رامي حكاية طويلة مع (الست) كما القصبجي، أحد أركان هذا الهرم الذي سيعود إليه أصحاب الآذان الصاغية، أو الباحثة عن المتعة السمعية التي تركتها مجموعة عباقرة في عالم اللحن والكلمة.  «تطاول» أصالة على الملحن حلمي بكر، نتيجة لإبداء رأيه في أدائها لواحدة من أشهر أغنياته «علّي جرى» فاعتبرت أصالة تعليقه (لم توفّق بأداء اللحن) بمثابة الإهانة المباشرة. ومن خلال لقاء تلفزيوني ردّت بتهكّم شديد، حين قالت: «سأستعين به (للملحن حلمي بكر) كـ «موديل» في أحد «كليباتي».. بإشارة منها إلى ظهوره في «فيديو كليب» إلى جانب وجه جديد من عالم الطرب. حلمي بكر يعتبر أنه تسبّب في شهرة أصالة من خلال لحن «يا صبرا يانا»، وأصالة تعتبر نفسها من تسبّب في شهرة الملحن حلمي بكر. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أهمية الملحن حلمي بكر صاحب العدد الكبير من الألحان الناجحة، أهمّها على الإطلاق أغنية «علّي جرى» التي تمتلك عناصر قوة لحنيّة طغت على العناصر الأخرى، بحيث باتت من كلاسيكيات الأغاني العربية... فمعظم المطربين يلجأون إلى هذه الأغنية لاستعراض أصواتهم من خلال اللحن الذي وضعه بكر، فهو لحن تصاعدي معبّر، ويملك المواصفات التي تؤمّن للمطرب مساحة واسعة «للعب» بين النوتات الموسيقية بحرّية، دون أن يفلت منه اللحن الأصلي. وهنا بيت القصيد الذي تسبّب في وقوع الواقعة بين أصالة وحلمي بكر... فمنذ أكثر من عشر سنوات، ظهرت أصالة مع صابر الرباعي في حفل مسجّل في بيروت على قناة «المستقبل»... صوتان قادران ومنسجمان إلى حدّ كبير، فكلاهما يعرف قوة الآخر، وانطلاق الرباعي في المقطع (الفالت)، وهذا تعبير موسيقي يعني الغناء الحر ضمن الشروط اللحنيّة الأساسية، جعله يغرّد باستخدام «يا ليل يا عين» صعوداً وهبوطاً مصوّراً لحالة طربية عالية. وما أن وصل لحظة الذروة، اختتم المطرب الموّال ليعود إلى النغمة الأصلية، مسلّماً الفرقة الموسيقية الدفّة من جديد لينطلق إلى جانبها... فكانت الطبقة الصوتية التي وصل إليها الرباعي وسلّم منها للفرقة، لم تكن لتصلح للأصوات النسائية، ممّا أحرج أصالة التي لم تمرّر (الطابة) دون اعتراض «شفهي» أيضاً على ما فعله الرباعي، وهو خطورة الطبقة التي سلّم بها، فانطلق صوت أصالة من نوتة عالية أوقع صوتها في حرج، إلا أنها استطاعت بأعجوبة أن تخرج من هذا المأزق دون أي نشاز. لكن صوتها وصل ليكون «صراخاً مجروحاً»
لا غناءً، فعلّق البعض بأن صابر تفوّق على أصالة. غير أن العارفين في خبايا الأمور قد يبرّرون لها، وقد يعتبرون ما فعلته جرأة. خانتها الطبقة الصوتية لكنها قدّمت هذه الأغنية في حفلات عديدة  دون إشكالات تذكر.

أصالة اليوم تواجه على عدّة جبهات، جبهة عدم الاهتمام بها في بلدها الأم سوريا،  وجبهة أخرى يديرها الملحن حلمي بكر الذي يسعى لمنعها من الغناء في مصر، على الرغم من حصولها على الجنسية المصرية بعد زواجها من المخرج طارق العريان، وجبهة أيمن الذهبي الذي أفصح عن نيّته كتابة مذكّراته مع أصالة لتتحوّل إلى مسلسل تلفزيوني قد يؤثّر على صورة النجمة التي تعتبر نفسها «الأصل» في نشر ألحان أو كلمات الشعراء التي تغني ألحانهم أو كلماتهم.

 

أبو بكر سالم.. لو هَمْهَم..

 

قلائل هم الفنانون الذين يملكون زمام الأمور، يحوكون الكلمة، ويفصلون الألحان، ويسرحون في عالم الغناء، وكأنها اللغة الوحيدة التي ينطقون بها، لدرجة أن أبو بكر سالم لو تحدّث لخُيّل إليك أنه يغني

أو يلقي قصيدة.

أي موهبة تسيطر على هذا الفنان الذي لو همهم لاختار مقاماً من المقامات الموسيقية التي تزخر بها ذاكرة الخليج، نقطة لقاء الصحراء بالجبل والبحر.

أول مرة صدف أن استمعت فيها إلى أبو بكر سالم كانت أغنية (غدّار الليل)، كنت في العاصمة لندن أستمع إلى إذاعة عربية، تبثّ قليلاً من الأغاني وكثيراً من الكلام، إلا أن هذا اللحن زاد دهشتي وأنا أكتشف أن للفن شكلاً آخر ولغة أخرى. كانت الكلمات التي ينطق بها أبو بكر تستدرج عروبتي إلى ماض زيّنه الشعر، وأمطره الغناء بأصوات صديقة للأرض مخلصة، فالغناء كان الوسيلة الوحيدة التي تسلّي معذّبي الكون. يغنّون كي تمرّ الساعات المليئة بالشقاء، لتبقى الذكرى مجسّدة في كلمة ولحن. البحّارة لهم لون وإيقاع، صوت المجاذيف يضرب الموج ليستقر في أذن وعقل من حمل اللؤلؤ من أعماق البحار، لينتقل النغم بعدها من جيل إلى جيل. حفيف الأوراق المتساقطة وسكك الفلاحين عند سفوح الجبال وفي السهول الممتدة بعفوية الكون... عمّال المناجم وسط ظلامهم

لا يأنسون إلا لصوت (الأزاميل) الضاربة وجه الصخور، لتنطق لحناً يخرج العبيد من عزلتهم. إنها الموسيقى التي حرّرت العالم من الصمت.

جاورت أبو بكر سالم أصوات العرب. لحّن لوردة الجزائرية ومرّ بصوت الراحلة ذكرى التونسية مكتشفاً قدرة صوتها الخارج من ثنايا روحها وكأنها تغنّي لكل مستمع على حدة (بنفس من يهواك يا مشغل التفكير). ومع عبد الله الرويشد كان أبو بكر يسجّل لحظات التحفيظ للحن، ليكتشف المستمع أن الموسيقى تسكن كل الأدوات المحيطة بنا في حال مرّ أبو بكر من هناك.

اتّسع صوته وذاكرته اللحنية ليشملا المشرق والمغرب، فمرّ على أنغامه وليد توفيق اللبناني في أغنية (قلي متى شوفك) وراغب علامة من خلال أغنية (سرّ حبي فيك غامض).

يناديه الفنان محمد عبده بـ «أستاذنا». جمعته الموسيقى بصوت أسماء المنوّر من المغرب في أغنية (كحل الليل). فهو الذي يجمع الملحن والشاعر والمطرب في شخصه، عدا عن قدرته على كسب الاحترام من قبل كل الذين يعرفون أن الفن لغة، لا يجدها إلا قلة تعاهدوا على نشرها.

تجمعه المهرجانات بعدد كبير من فناني الخليج الذين يبحثون عن كلمات لوصفه، ولشكره على ما قدّمه للأغنية الخليجية. تجمعه أغنية إلى جانب الفنان راشد الماجد من ألحان الشاب

الإماراتي فايز السعيد الذي غزت ألحانه الإذاعة والتلفزيون، لدرجة أن كبار فناني الخليج غنّوا من ألحانه، ليتوّج هذه التجربة

 أبو بكر سالم في أغنيـــة (سامح). «أحيانا أفكّر وأفكّر وأفكّر»... وكأني أجد صوت أبو بكر في أية أغنية يضع صوته في أساسهــا، تصبح عمراناً شاهقاً، محرّضاً صوت شريكه في الأغنيــة على الغناء والغناء.