أزمة ثقافة أم مثقّف؟

د. ماغي عبيد
د. ماغي عبيد
د. ماغي عبيد

في ظل العولمة وتبعاتها تعيش الثقافة المعاصرة تحت وطأة التحولات المتسارعة التي تجعل مفهوم الثقافة أشبه بجزيرة في أرخبيل من الممارسات الثقافية لذا؛ يذهب البعض إلى أن الثقافة تعبير عن هوية مجتمع ما، بما يمتلك من خصوصية دينية لغوية وأخلاقية، وهي بحسب تايلورTaylor: "كل مركب يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والآخلاق والقانون..."(1) (Bréhier, 135)، هي من أبنية الوعي الإنساني الأعلى المتعلقة بأنشطته، وبامتلاكها للعمومية الوظائفية في جميع الثقافات تقارب الفلسفة بكونها أماً للعلوم، وبموضوعها المحتوي للمعرفة والقيم والوجود.

وبما أن الثقافة تفيد التهذيب والتنشئة والتسوية والتقويم، بمعنى أنها عملية متدرجة تبدأ بالفرد، لتنتهي بالمجتمع والدولة والحضارة عامة، فالمثقف هو الناشط الفاعل في إعداد عقله الفردي والجمعي إعداداً يؤمن البقاء في مواجهة التحديات، هو ضمير البشرية الشمولي التفكير، والناقد الباحث عن صوت الضمير في داخله لتحقيق العدل والسلام المجتمعيين، هو العارف بكيفية تحويل الأفكار إلى سلوكيات، المؤتمن على التاريخ في استنطاقه للمسكوت عنه وفيه ومنه، والأمين على قول الحق من دون مواربة أو تواطؤ، هو المتمرد على الاستاتيكو الجماعي بديناميكية الفهامة المدرك للواقع بمجرياته والمتنبئ للمستقبل، غير أنه لا بد من التمييز بين العلم والثقافة من جهة، والثقافة والحضارة من جهة أخرى، لاسيما أن الثقافة وإشكاليات أفاهيمها قائمة في النسق المعرفي الإبستمولوجي، وفي منهجها وموضوعها، وهنا يطالعنا إدغار موران Edgar Moran بالهوية الإنسانية المركبة في واقع إنساني مركب ومنفتح على الفوضى والأزمات واللايقين(2) ( موران، المنهج). لهذا لا بد والحالة هذه من قراءة نقدية للذات العربية العاملة ضمن بنى وأنساق بمستوياتها المتعددة ومجالاتها المتنوعة والتي تتطلب بحسب علي حرب: "الانفتاح على كل حقيقة، والتمرئي مع كل ذوات...".(3) ( حرب، 2012). وهذا ما يتطلب التساؤل حول تحديد العلاقة في ما بين المثقف والثقافة، فهل الأزمة هي أزمة ثقافة في مثقف أم مثقف على ثقافة، أم ثقافة ومثقف على أفاهيم غير محددة تُسمى ثقافة؟ فما الثقافة؟ ما تحدياتها الداخلية والخارجية؟ ما السبل الآيلة لتجاوز تحدياتها الراهنة والمستقبلية؟ وكيف لها أن تصبح "أنا" كلية عربية شاملة جامعة منتجة وفاعلة؟ وأية ثقافة وطنية لأي تراث حضاري؟ وكيف لنا أن نصل إلى التعايش السلمي؟ ما مندرجاته وآلياته ورهاناته؟ من هو المثقف؟ ما دور المثقف في المجتمعات العربية؟ وهل من سبيل لردم الهوة بين أفكاره وواقع مجتمعه؟ وما شكل علاقته بالسلطة وبالأحزاب؟ وكيف له أن يسهم في النهوض بهذه المجتمعات من موقع القائد أم المثقف؟ وهل نعاني أزمة ثقافة أم مثقف؟