أهل أم أصدقاء؟

تغريد الطاسان
تغريد الطاسان
تغريد الطاسان

علاقة الآباء بأبنائهم من أهم الروابط البشرية.. لأنها تعدّ الأساس الذي تبنى علية علاقات الإنسان المستقبلية مع غيره لتشكل تفاعله مع أغلب جوانب حياته.
 لذلك فليس من السهل بناء علاقة قوية بين الآباء والأبناء بانسجام مرن يحافظ على هيبة الأبوين، مع صداقة تجعلهم بعد الله الملجأ والملاذ لأبنائهم في كل أمورهم.
لذلك فمن المهم جداً أن يبدأ بناء هذه العلاقة من الطفولة المبكرة لتنمو وتكبر مع نمو الطفل، لتكون مستمرة قوية ثابتة غير قابلة للتصدع أو التبديل بعلاقات جديدة تجد لها طريقاً لأبنائنا من خلال التواصل مع البشر.. أو مستجدات الحياة من وسائل تواصل اجتماعي.. أو ثقافات دخيلة من خارج أسوار البيت الصغير.
العلاقة التي أقصدها هي العلاقة الشفافة بلا حواجز من رهبة أبوية تجعل بيننا وبين أولادنا حوائط صد عالية لا يستطيعون تجاوزها عندما تصفعهم الحياة بأكف المصاعب أو الخذلان، أو عندما يتعثرون بقلة الخبرة فيقعون في حفر الخطأ أو مصائد الاستغلال، أو عندما يتجرعون مر استعجالهم في الانقياد لجموح مراهقتهم قبل أن تنضج حكمة عقولهم.. فالصداقة بين الوالدين والأبناء لا تفسد لهيبة الأبوين ومكانتهم قضية، إن كانت تحقق التوازن بين المتناقضين..
فالهيبة والتقدير.. وسور الاحترام العالي الذي لا يمكن تخطيه يبنى بإشباع الوالدين منذ نعومة أظفار الطفل لحاجاته إلى الحب والاحتواء والحماية والأمان والدعم المستمر، مع تعليمه كيف يسير بثبات في دروب الحياة الوعرة.. وبذلك يضع الأهل أساسات المكانة الأبوية الراسخة بهيبتها العظيمة غير القابلة للتصدع أمام جرافات خصائص مرحلة المراهقة، أو التأثر بعوامل مجتمعية، أو بشرية أخرى تهدد قيمة مكانة الأبوين أو تمس قدسيتها.
أما الصداقة فتأتي من المرونة في تقبل الخطأ واحتواء الطفل عندما يسقط في حفر العثرات الناتجة عن قلة الخبرة، أو الانقياد الناتج عن محاكاة الأقران في مرحلة المراهقة الصعبة.. هنا يكون دورنا كأهل في الاحتواء لا الصد.. والمرونة في تقبل الخطأ مع التوجيه الجاذب بدل الهجوم باللوم القاسي، الذي يصاحبه أساليب توجيه صارمة تكون ذات تأثير عكسي المفعول يفاقم من المشكلة فيجعل منها كرة ثلج من أخطاء، كلما تدحرجت زاد حجمها إلى أن يصل به إلى مرحلة خطرة نقف أمامها عاجزين عن احتواء أخطائه.
أولادنا هم زينة حياتنا الدنيا.. هم فروعنا التي تبقي جذورنا ثابتة لأجيال.. وهم العمل الصالح على هيئة أبناء تحصر أجر تربيتهم الصالحة حتى بعد مماتنا.. فلنكن لهم أهل بمنزلة أصدقاء حتى تزهر علاقتنا معهم بخير لنا ولهم ولمجتمعنا ككل.