أين السعادة؟

د. سمر خان
د. سمر خان
د. سمر خان

في أحد الحوارات التي دارت بيني وبين أحد أصدقائي، تحدثنا عن مفهوم السعادة! أعترف أني لم أجد تعريفاً مقنعاً لنفسي، ولكني تذكرت مقولة الكاتب والروائي الكويتي سعود السنعوسي: "حاولت مراراً أن أنسى، ولكن يصعب إدراك النسيان مع وجود تلك الصناديق الصغيرة السحرية المقفلة بداخلنا، تلك الصناديق التي تحوي كل ذكرياتنا، حلوها ومرها، قديمها وحديثها، مهما بدا لنا نسيانها، تبقى دفينة في أعماقنا محتفظة بأدق التفاصيل". فقررت أن أبحث عن الصناديق المقفلة بداخلنا، تلك الصناديق الكثيرة داخل عقولنا وقلوبنا، صناديق لو فتحت لبكينا شوقاً على من فارقونا، لأن الله كتب لأرواحهم أن تصعد إلى السماء، لبكينا غضباً على من آلموا قلوبنا وصدمونا بأكبر الخيبات في حياتنا، لبكينا حزناً على من لم يحفظوا الوعد ولم يصونوا الود وخانوا العهد، لبكينا قهراً على من علمناهم معنى الوفاء فغدروا بنا، وعلمونا معنى الظلم والخذلان. 
وتلك الصناديق التي تحمل بداخلها ذكريات جميلة مكدسة لو فتحت لعرفنا قدر القلوب الوفية ومكانتهم في قلوبنا، لعرفنا قدر ذلك المعلم الذي كان يرهقنا بواجباته واختباراته، لكنه غرز المعلومات في عقولنا، لعرفنا قدر التعب والتضحية لوالدينا، لعرفنا قدر ذلك القائد الصارم الذي كان يعطينا من وقته ليعلمنا، ومن جهده ليحسن من مهاراتنا.
أين السعادة إذن في كل هذه الصناديق؟
وبما أنني لست خبيرة "سعادة"، عندما بحثت وتعمقت لم أفاجأ بأنني لا أملك إجابة واضحة لهذا السؤال، وانتابني الفضول للإجابة عن عدة استفسارات تتمحور حول صناديق الذكريات المكدسة داخل قلوبنا وعقولنا، لعلي أجد "أين السعادة".
هل السعادة في تلك الصناديق كانت حالة مزاجية نعيشها، أم أن السعادة أسلوب حياة اعتدنا عليه، أم أن السعادة في الأشخاص الذين نعيش معهم، ونعتقد بأنهم هم من يصنعون سعادتنا، هل السعادة بأن نكون معتمدين على غيرنا في تلبية كل احتياجاتنا المادية والعاطفية، أم أن السعادة في أن نعتمد على أنفسنا، ونشعر بالاكتفاء الذاتي والاستقرار، هل السعادة في العطاء والتطوع في إسعاد الاخرين أم في الأخذ؟
تعمقت قليلاً، وزرت بعضاً من آراء فلاسفة السعادة، فوجدت أن السعادة قضية، كانت ومازالت، محل خلاف بين معظم الفلاسفة. فاقتنعت الآن أننا لن نجد طريقاً واحداً للسعادة، وكلما تعمقنا في صناديق الذكريات سينتهي بنا الأمر إلى الشعور بعدم الرضا والإحباط واليأس، واقتنعت أيضاً أن ما نقوم به اليوم من نجاحات أو إخفاقات، سيكون سبباً في سعادتنا غداً، فالأحداث المؤلمة التي نحتفظ بها في صناديق الذكريات بالأمس أعطتنا القوة لنكون سعداء اليوم.
أخيراً.. كل من حولنا لديه صناديق مماثلة لنا، تارةً تضحكنا، وتارةً تبكينا. ليس هناك طريق محدد للسعادة، عليك أن تعبر في محطات الحياة وتستمتع بالرحلة.