الإدارة الحديثة  والموارد البشرية 

عبير المعتوق
عبير المعتوق 
عبير المعتوق 


على مدى مختلف مراحل الإدارة الحديثة ومختلف مدارسها، كان دائماً لمجال الموارد البشرية النصيب الأكبر من الجدال حول دوره الحقيقي، ومدى تأثير ذلك الدور في إنتاجية وتطور المؤسسات الربحية وغير الربحية، ومدى السلطة وقوة اتخاذ القرارات التي يجب أن تعطى إليه، سواء في مسائل وضع السياسات والنظم، أو التوظيف، أو باقي الممارسات الداخلية.
وحقيقة، ومن واقع خبرة شخصية في المؤسسات المختلفة التي عملت بها وانتسبت لها في مشاريع مختلفة على مدى نحو 20 عاماً، استخلصت أن هذا القطاع بحاجة ماسة إلى إعادة تصميم وهيكلة، وإعادة تعريف الأدوار، وبرمجة للقائمين عليه والعاملين فيه قبل أي شخص آخر.
يواجه مجال إدارة الموارد البشرية تحديات خاصة، كونه المنطقة التي تقع في المنتصف، بين المؤسسة بصفتها سلطة وإدارة، وما تتوقعه من إنتاجية ونمو ونجاحات؛ وبين الموظفين، وما يتوقعونه من خدمات وعدل وتمكين وفرص ورعاية وتطور، تؤهلهم للعطاء بشكل أفضل ومتطور باستمرار. 
ولا أبالغ إن أشرت إليها بمنطقة القلب التي إن صلحت صلح جميع ما في هذا الكيان المدعو بالمؤسسة أو مكان العمل. في نهاية الأمر، فإن أي مؤسسة إذا اختصرناها وبسطناها هي منظومة مكونة بشكل رئيس من ثلاثة عناصر لتقدم خدمات أو منتجات، وهي: النظم، والسياسات، والعنصر البشري. ولا يخفى على أحد أن العنصر البشري هو الأهم، والأقوى تأثيراً، والأصعب إدارياً.
وهنا، نجد الحديث يأخذنا إلى جانبين: جانب يولي الاهتمام بالذهنية التي تعنى بتصميم مهمات هذا القسم أو القطاع داخل المؤسسة؛ أي الإدارة العليا، وجانب يعنى بالذهنية التي تطبق تلك المهمات، وهم التنفيذيون والموظفون التابعون لهذه الأقسام.
من جانب الإدارة العليا، وبنظرة سريعة على المؤسسات العالمية الكبرى ذات الإنتاجية والأرباح العالية، نجد للموارد البشرية أكبر الأثر في النجاح؛ حيث لا يقل دور السلطة العليا في الموارد البشرية أهمية وتأثيراً في عملية أخذ القرارات المصيرية للمؤسسة عن دور السلطة العليا في قسم الإدارة المالية مثلاً، أو قسم العمليات، أو باقي الأقسام الحيوية. ونجد ممثل الموارد البشرية أو السلطة العليا في هذا القسم موجوداً دائماً وبحضور قوي وفعال، إلى جانب قائد المؤسسة؛ للتأكد من وجود الدعم المطلوب لتنفيذ الخطط والاستراتيجيات الطموحة للمؤسسة، ولتقديم المشورة للقيام بأي تغييرات إن تطلب الأمر.
ومن جانب ذهنية التنفيذيين أو الموظفين في هذا القطاع، فالمطلوب استيعاب دوركم بوصفكم ممثلين عن القسم الوحيد الذي يعنى بكل ما يمكّن الموظف من القيام بدوره على أكمل وجه، ودوركم هو الدعم والمساندة والمبادرة إلى التطوير، وليس فقط تنفيذ سياسات قد تكون في أحيان كثيرة غير فاعلة ولا تخدم التوجهات الإدارية الحديثة.
دعوتي لكم هنا هي أن تسمحوا لأنفسكم بالسؤال والنقاش، والتفكر والتأكد من فاعلية ما تقومون به، وأثره طويل المدى على النجاح الكلي للمؤسسة، وأن تتذكروا دوركم الحقيقي، وهو القلب الذي إن صح صح كل ما حوله.