يشعر الجميع بالجمال واللذة عند سماع كلمة "الرشاقة"، ولا يختلف اثنان على أنها مطلب مهم جداً عند الكثيرين، فالكل يتوق إلى أن يكون رشيقاً، ويوصف بهذه الصفة الجميلة، وهي بمفهومها الجسدي تشير إلى القدرة على الحركة وتغيير وضع الجسم بكفاءة وتوازن وسرعة ومرونة.
لكن دعونا نترك رشاقة الجسد جانباً، ونتحدث عن مفهوم جديد للرشاقة، وهو "الرشاقة الفكرية"، وينتمي هذا المفهوم إلى المعنى العام للرشاقة، إلا أنه يتعلق بالأفكار، وكيفية توليدها، واتخاذ القرارات الرشيدة، والتكيف والمرونة والتوازن عند التعرض لمختلف المواقف في حياتنا.
الرشاقة الفكرية تتطلب منا أن تتكون لدينا القدرة على توليد أفكار جديدة لحل المشكلات التي نواجهها، وهذا يتطلب منا أن تتكون لدينا ملكة الإبداع من خلال التدريب على طرق جمع المعلومات بطريقة صحيحة، واستخدام المعايير للحكم على مختلف المواقف، وعدم اتخاذ القرار بناءً على معلومات قديمة، ومن ثم محاولة العصف الذهني، ومنه يتم اختيار أفضل الأفكار وتجريبها لحل المشكلة.
والكثير منا يعاني من ضعف التكيف وهو مفهوم مضاد للرشاقة الفكرية، فالعالم يموج بالأفكار والتقنيات الجديدة وتغير الكثير من المسلَّمات، وهذا يتطلب منا المرونة في اكتساب الأفكار الجديدة، واقتناص الفرص للاستفادة من الجديد، وعدم العيش في قوقعة الأفكار القديمة بحجة الخوف أحياناً، وعدم المعرفة في أحيانٍ أخرى، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا من خلال التعلُّم المستمر، والبحث عن المعرفة، والتدريب الذي أصبح في متناول الجميع من خلال آليات التدريب عن بعد، والتي ذللت العديد من العقبات التي قد تواجهنا عند البحث عن المعرفة.
وبصورة أكثر وضوحاً، تتعلق الرشاقة الفكرية بثلاث قضايا أساسية، الأولى هي: رشاقة الاستشعار، والتي تتضمن حساسيتنا تجاه المشكلات المحيطة بنا، سواءً مشكلاتنا أو مشكلات من نحب، فالشخص الرشيق فكرياً يتميز بأنه شغوف بتحسس المشكلات، وقدرته على معرفتها وتحديد أسبابها، وهو قريب من أحبائه بروحه قبل جسده، فالبعد العاطفي، وجفاف المشاعر، وتجاهل المعاناة، هي من أكثر مسممات الرشاقة الفكرية.
والقضية الثانية هي رشاقة اتخاذ القرار بطريقة تضمن التأثير الإيجابي من خلال توقع الآثار المترتبة على القرار، خصوصاً عندما يتعلق القرار بعلاقاتنا الاجتماعية، أو الأشخاص الذين لا نريد أن نسبب لهم الألم، فالقرار الرشيق يتطلب الاستشارة، كما يتطلب أيضاً تنويع وتنمية الخيارات وعدم قصرها على خيار واحد، واختيار الأجمل منها، والذي يحقق المنفعة المشتركة لنا ولمن نحب.
أما القضية الثالثة المتعلقة بالرشاقة الفكرية فهي رشاقة الممارسة والتطبيق، وهي نتاج الاستشعار واتخاذ القرار عند التعامل مع مختلف المتغيرات في حياتنا، ولا يمكن أن تكون الممارسة سليمة والحلول ناجحة إلا بنجاح الاستشعار وتحديد جوانب ومسببات المشكلة، ومن ثم اتخاذ القرار، وبعده ممارسة القرار، والذي لابد أن يتضمن السرعة، والتوازن، والبعد عن تحقيق المصالح الشخصية فقط، من خلال تغليب جوانب الرحمة والصفح، والتجاوز عن الزلات، وهي قيم مهمة لا بد أن يراعيها الشخص الرشيق فكرياً.
وأخيراً.. ما أجمل أن تجتمع رشاقة الفكر والجسد معاً في شخص واحد، راضٍ عن نفسه، ويحبه الجميع، لأنه رشيق.