بين رحّالة  الأمس واليوم

ريم خليفة
ريم خليفة
ريم خليفة

لم يكن ممكناً التوثيق عن الرحلات حول العالم بالصورة نفسها التي تنجلي عليها في وقتنا الحالي، ففي ظل ثورة المعلومة تغيرت معها أساليب كثيرة انعكست في حياتنا اليومية وأيضاً ما صاحب من متغيرات ترافقت مع جائحة (كوفيد – 19)، لقد جعلتنا أكثر اعتماداً على التطبيقات في إنجاز معاملاتنا المختلفة من خلال نقل وتلقي وتوثيق المعلومة. لقد فرضت أدوات إعلام جديد ومنصات رقمية نفسها لتكون وسيلة أخرى غير الكتاب الورقي والصحافة التقليدية تعتمد التوثيق بالفيديو والصورة والصوت والنص. 
فمن خلال أدوات الإعلام الجديد والمنصات المتعددة مثل إنستغرام وتويتر وغيرها أصبح بالإمكان نشر مقاطع فيديوهات وصور لمختلف المواضيع والقصص على أوسع نطاق، وبسرعة تفوق بكثير ما كان متاحاً في الماضي، ما خلق فرصاً كبيرة ومتنوعة لعمليات التسويق والترويج بأسلوب مختلف عما كان مألوفاً في عالم الإعلان التقليدي. لقد أصبح ممكناً عبر أجهزة هواتفنا النقالة التي لا يتعدى حجمها كفة اليد، التوثيق كما نشاء وبأي لحظة نريدها بل، ويصل الأمر إلى التقاط يومي لأدق التفاصيل وبخيارات تعود للفرد نفسه، وهو متجول من بلد لآخر ومن مدينة لأخرى.
أيضاً ما عرف عن "أدب الرحلات" كان مختلفاً، فالتوثيق حينذاك كان عبر الكتاب الورقي، وهو يعد إرثاً تاريخياً لعشاق السفر والتاريخ والجغرافيا، لقد كان أدب الرحلات يمثل لوناً أدبياً يجمع بعض خصائص القصة والرواية والسيرة الذاتية، ويمكن أن يوصف بأدب الرحلة الواقعية.
  ولو نظرنا إلى الرحالة الأوائل، فالتراث مليء بأخبار الرحلات والرحالة وما دونوه عن مشاهداتهم، ما جعل السفر تراثاً يتصل بالجغرافيا الوصفية والتاريخ، ولا يمكن أن نتجاهل كون الرحالة الأوائل يعدّون أدباء لقدرتهم الرائعة على الوصف، ومؤرخين لشدة دقتهم، وشهود عيان لاستكشاف البلدان والتعرف إلى جغرافيتها وتاريخها وثقافتها، من أمثال ابن بطوطة وماركو بولو وغيرهما.
 أما اليوم فقد أصبحت السياحة قطاعاً اقتصادياً حيوياً تعتمد عليه البلدان، وهذا القطاع يحتاج إلى من يروج ويصف ما يراه عبر استخدام  التقنيات الحديثة والمتطورة لكاميرات التصوير في أخذ مناظر خلابة، تهدف إلى الجذب البصري وليس فقط الجذب المعرفي حتى لو كان مقتضباً مقارنة مع أدب الرحلات.
 إن رحالة اليوم يختلفون عن رحالة الأمس، فهم يتجولون ويسافرون ويوثقون اللحظات عبر هواتفهم النقالة، وقد تحول الكثير منهم ومنهن إلى بلوغرز "مؤثرين"، فتحت لهم مجالات جديدة، ومبدعين في تقنية التصوير، ومغامرين لديهم جمهور يتابع الصور والفيديوهات التي تحقق أعلى نسبة مشاهدة ومتابعة للحساب الناشر.
 الرحالة في عصرنا الحالي يطوفون العالم في الشتاء والربيع والخريف والصيف، ويوثقون النوادر والمواقف، وهو ما يعد امتداداً معرفياً للرحالة الأوائل، وهذا أصبح ممكناً لامتداد لغة الكاميرا التي تختزل الكلمات في صورة أو فيديو، وتجتذب المتابع إلى نص يفتح ذهنه على معارف جديدة ويدفعه نحو الدخول في تجربة السياحة الترفيهية - المعرفية.