إبحار ناقص

محمد فهد الحارثي


الإبحار عشقي فلا تتعبي في مراكبي. طريقي طويل ومحطاتي كثير، وقدري ما بين وصول ورحيل، تاريخي لا يعرف أنصاف الحلول، وخياراتي هي الحدود القصوى، وأحلامي شيء من المستحيل.
لا تسأليني مزيداً من التفاصيل، يكفيك أن تعرفي أن الأسئلة لا تستفزني ولا تعنيني، هي مجرد استدراج للدخول في الدوائر الصغيرة، بينما فضائي أبعد، وعالمي أعمق، ومساحاتي أكبر.


أعرف أنك تعشقين الاقتراب من المساحات الخطيرة، وأن جنونك أو ثقتك تقودك إلى حيث المغامرة واكتشاف المجهول، وأنك تعتقدين أن ذكاءك يتجاوز الآخرين، لكن تمهلي للحظة، فعالم الأذكياء افتراضي، وأي شيء يبنى على الفرضيات غير مضمون. الواقع يفرض معطياته حتى لو بعد حين.


تعلمت في حياتي أن أنظر للمستقبل ولا أتوقف عند التفاصيل، أعيش حياتي بكل عنفوانها واتجاهاتها، لا أملك حقداً على أحد، ولا تشغلني المكائد ولا تهمني نميمة الآخرين، ومؤامرات الدهاليز، علمتني الحياة أن تكون توقعاتي في الآخرين متواضعة، فلست من محبي الانكسارات. أحسن الظن في الآخرين، ولكن لا أرهن قراراتي عليهم.


لا تنتظري مني سرداً للتاريخ، وكشفاً للحساب. كل موجة تمضي تذهب معها قصصها وحكاويها. أعشق المستقبل ويجذبني غموضه، فالوضوح التام كالإجابات المتوقعة تأتي بألوان باهتة، تلغي لذة الترقب والتوقعات والانتظار.
أدرك أنك عالم من الأسئلة، وفضاء من الغموض المثير، ويأخذني إليك حديث لم يُقَل، وأسئلة لم تُطرح، ونظرات لم تُفسر. لكنني أعترف أن انجرافي في هذه المساحات هو تحريض لي على الرحيل. ربما تفسرينه نوعاً من الهروب، وأراه أنا اكتشافاً لعالم جديد. النتائج وحدها، المفردات تختلف.


هل تتحملين السفر ودوار البحر والغوص العميق؟ هل تتقبلين رحلة قطار تذكرتها النهائية لم تقطع بعد؟ وكيف ستتصرفين عند الوقوف المفاجئ في الطرق السريعة؟ ألم أقل لك إنه عالم من السفر واللامصير؟ هديتي لك قصيدة سأكتبها في أحد الموانئ، وصورة لشيء يشبه ملامحك، وذكرى جميلة للرحيل.


اليوم الثامن:
التوقف عند الماضي هو ظلم
للحاضر واغتيال للمستقبل...