mena-gmtdmp

الجار عجيب الأحوال (2)

مبارك الشعلان
كأن ما كان يحدث على الأرض ليس كافياً؛ بدأ طموح وجموح جارنا العزيز الأستاذ "فلان" يناطح السماء. استيقظنا ذات صباح على المنظر الآتي: فلان الفلاني حافياً على بلاط سطح فيللته/ مرتدياً بنطلون البيجاما فقط من دون سترتها، واقفاً في فانلته الداخلية التي بلا أكمام ورأسه للأعلى مخاطباً قبة الفضاء: "أيها السادة سكان الطوابق العليا أرخوا لي حبل سلة مشترواتكم لكي أتسلقه نحوكم.." ولما لم يحدث شيء، ولم يتدلَّ حبل بالطبع، كرر الأستاذ فلان النداء مرتين أو ثلاثاً؛ فلما يئس من الاستجابة، نزل الدرج المؤدي من سطح المنزل إلى داخله. استبشرنا خيراً، وقلنا مازال لدى الجار العزيز بقية من عقل. إلا أنه بعد ساعة أو ساعتين، عاد إلى السطح مسلحاً بمكبر صوت! وعاد النداء، ولكنه صار أكثر إزعاجاً. وزاد الجار من إلحاحه على سكان الفضاء، وعلى طبلات آذاننا، فأضاف لما سبق أن ذكرناه: "نداء عاجل لسكان الكواكب الأخرى اختفى نبات الطماطم من على سطح الأرض كما اختفى السلام والصفاء والطمأنينة" (وكأن جارنا العزيز ليس هو المسؤول عن اختفاء السلام والصفاء، والسكينة والطمأنينة، إن لم يكن على كوكب الأرض، فعلى الأقل في شارعنا وحيّنا!). أما ثمار الطماطم -أو "البندورة" كما يسميها أهل الشام- فمبلغ علمي أنها متوافرة. لكن ليس على بعض الجيران حرج! بعض سكان الفيلات البعيدة بعض الشيء اتصلوا بشرطة النجدة! العجيب حقاً، أكثر من تصرفات "فلان" فاقدة العقل، أنه احتفظ ببعض الحصافة، فأخفى مكبر الصوت عند سماعه سارينة سيارة النجدة، وادعى أن قبضات الشرطة على باب فيللته أيقظته من نوم ثقيل! وفي مواجهة شهود من جيراننا البعيدين نسبياً، لم تهن عليّ العشرة وعلى بعض الجيران القريبين، فحمته شهادتنا من عقاب القانون أو ما هو أسوأ: إيداعه –لا سمح الله- في مصحة عقلية. ظننا أن وصول البوليس سيرد له عقله، فالخوف من أنجع وسائل علاج الحماقة وصخب المهووسين. وبالفعل هدأت الأحوال يوماً أو يومين. لكنّ الجنون المبدع لا تفنى تفانينه وحيله. فإذا كان الصخب والضوضاء يفضح الجنون المبدع، فسرعان ما يلجأ إلى الصمت، فيعمل ويبدع بلا صوت، كمسدس أضيف له كاتم الصوت المعروف. مجرد حفيف واهن لفت نظري، أو أذني، لورقة تندس تحت عقب بابي (عرفت فيما بعد أن مثيلاتها اندست تحت أبواب كل الجيران). كان مطبوعاً على الورقة هذا النص، أنقله لكم كما هو من دون زيادة أو نقصان: الإخوة سكان الشارع.. الإخوة سكان الكوكب: أريدكم جميعاً أن تشهدوا أني سأطير غداً من سطح منزلي إلى فضاء الكون ممتطياً حماري المجنح يذاع الحدث على كل الفضائيات بالطبع مباشرة على الأقمار الصناعية في تمام الثامنة والنصف صباحاً ** وسأنقل للقراء الأعزاء فعاليات هذا الحدث الكبير في المقالة المقبلة بإذن الله...