mena-gmtdmp

أبحث في ذاكرتي

أميمة عبد العزيز زاهد

أعذر

من حولي عندما يلومونني؛ لأنَّني أعيش مع ذكرياتي، فهم لا يعرفون ما مدى علاقتي بها، فما بيننا كان عشقًا وعلاقة خاصة، هي الرابط الممتد بيني وبين الماضي، فكانت أيامًا رائعة وجميلة لم يبق منها سوى الذكرى التي من خلالها استعرض مرحلة طفولتي، ومراهقتي، وشبابي، ونضجي.. ذكرياتي تعني لي عيدي الذي أجدِّده كلما تألمت وتعبت؛ لتمسح عني همومي، استرجع أفراحي التي تجدِّد نشاطي، وتزرع الأمل في داخلي، فذكرياتي هي مخرجي من الضغوط التي أتعرَّض لها؛ حتى أصبح صندوق ذكرياتي هو شريكي ووليفي، ورفيقي في رحلتي. ذكرياتي هي من تنبهني دومًا بأن هناك مرحلة قد انتهت من حياتي لأبدأ بعدها مرحلة جديدة، ورحلة جديدة. فذكرياتي هي من دربتني فمعها لم أشعر بثقل التغيير الذي طرأ على ملامحي، ولم ألاحظ التشكيل، والتعديل الذي لامس شخصيتي، حتى نظرتي للأمور اختلفت من مرحلة لأخرى، كل ذلك حدث بالتدريج، نعم أعرف أنَّه تغير طبيعي، فأنا -ولله الحمد- أكيف ذاتي مع كل مرحلة، فذكرياتي هي من تشعرني بأنَّ أعماقي مازالت تعيش بداخلها طفلة صغيرة، مع ذكرياتي أتذكر، وأعيش، وأتصوَّر، وأرى أمامي أحاديث، وحوارات، وجلسات عائلتي، أمي وأبي وإخوتي، كأنَّها حدثت الآن رغم أنَّها من الماضي إلا أنَّني أنتعش لذكراها، وتبعث في داخلي الأمل، وتبث في أعماقي الشعور بالدفء والحنين.

 نعم الحياة مستمرة، والزمن لن يعود ولا يموت، لكنَّه سيبقى ليعلمني الصبر، وقوة التأمل لأعود بعدها من جديد لواقعي بعد أن أصبح لديّ رصيد جديد من الشعور العميق بالسعادة الشخصيَّة، وارسم ابتسامتي فوق شفتيَّ اللتين بللتهما دموعي لتمحو ملامح الحزن، ويملؤني في لحظة الشعور بالرضا. إنها ذكرياتي التي لا يمكن أن يمحوها العمر مهما طال، ولا أملك لها غير الإقامة في عقلي والاستيطان في كياني، وبالتأكيد لديّ العديد من المحاولات لإسقاط ملفات قاتمة كئيبة كاملة لا أرغب باسترجاعها، قد أكون حالمة، وقد يصفني الآخرون بأنَّني أعيش على الوهم، وبأنَّني أتحايل على ذاتي، وبأنَّني غير واقعيَّة، ويرونني وحيدة في عالمي وأنا لا أرى نفسي إلا في هذا العالم الذي لا أمل صحبته حتى استأنست المارد الذي يسكنني، ولا أريده أن يغادرني. وبكل صدق مع نفسي أقول نعم قد أكون كما يقولون، المهم في النهاية إحساسي، وشعوري وراحة بالي. فما الذي أراه أمامي غير اللون الرمادي، فهل تغيرت أنا أم عالمي الذي تغير؟ فكل الأماكن والمساحات أراها تضيق وتضيق معها مساحة التسامح والعفو، ولا يعني ذلك عزلتي عن الآخرين، لكنني وجدت نفسي مع ذكرياتي، وكلما واجهتني مشكلة توجهت لخالقي وناجيته بألا يتخلى عني، ودائمًا كان سبحانه رحيمًا بي.

 

 

أنين الذكرى

كيف ننسى؟! بعض الناس لا يمكن أن ننساهم، بل لا نريد أن ننساهم، لا نريد أن نشرد مشاعرنا في عالم أصبح جلَّ همِّه الأنانيَّة، المصالح الشخصيَّة، البحث عن أخطاء الغير، ورسم العدو في ملامح كل غريب! عالم فيه من يقول: لا يهمني الغير، أنا ومن بعدي الطوفان، ليس لدي القدرة على المواجهة، أمشي بجانب الحائط طالبًا الستر والأمان، مالنا ومالهم، دعهم كالفخّار يكسر بعضه! أخاف إن بقينا هكذا أن نتحول فخارًا، ويأتي من يكسرنا ويغرقنا، ويهد على رؤوسنا كل حائط! فلنتذكر، ونبتسم، ونعد للحياة لنساعد ونتعلم. إنها الذكرى؛ فكيف ننسى؟ د.ميسون الدخيل.

 

 

همس الأزاهير

أماكـن تمر بها، فتشم بها رائحة ماضيك، فكأنَّها تعيد الزمن إليك بطقوسه، بسويعاته، بذكرياته، بأناس قاسموك يومًا كل شيء حتى أنفاسك، وأماكــن تمر بها، فترى بها ملامح طفولتك، تلمح بها رفاقك الذين كبروا، تنقب عن آثار براءتك عليها، تتبع خطوات شقاوتك على أرضها وتبتسم بمرارة، وتردد «ليتنا لم نكبر».

صدى الصمت