الحبُّ الإعلاني!

عبد الله باجبير
من الجميل ألا يكتم المحبون والأصدقاء والأقارب مشاعر الحبَّ الحقيقيَّة التي تربط بينهم، وأن يقوموا بين الحين والآخر بالتعبير عن هذه المشاعر الحقيقيَّة الدافئة بكلمة رقيقة، أو بباقة ورد، أو بهديَّة بسيطة تذكِّر الطرف الآخر بأنَّ هناك قلباً يخفق بحبَّه ويحمل له كثيراً من الودِّ. لكن الشيء الذي لا يبعث على الارتياح ويثير القلق تلك الظاهرة التي انتشرت، وأثارت كثيراً من الشكوك في صدق المشاعر، والأحاسيس المتبادلة بين الناس، والمتمثلة في قيام زوج وزوجة بإظهار عواطفهما على نحو مبالغ فيه، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، الأمر الذي يبدو على شكل استعراض صريح ومباغت وإعلان فجٍّ عن علاقة حبٍّ قويَّة ناجحة، وعن تفاهم ووئام. هذه الظاهرة التي أطلق عليها الباحثون في الغرب اسم إظهار العواطف على الملأ (بي. دي. إيه) تتضح من خلال زوج وزوجة مدعوين إلى الحفل ويقضيان وقتاً ممتعاً إلى أن يجيء زوجان يلفتان أنظار الحاضرين منذ لحظة دخولهما، وهما متلاصقان ولا يكفان عن تبادل العناق والقبلات والهمس بصورة لا يليق إظهارها أمام أعين الآخرين. في البداية يستشعر كل من بالحفل الحرج وعدم الارتياح، ثم تبدأ الزوجات في الإحساس بأنَّ هناك شيئاً ما خطأ، إما فيهنَّ أو في أزواجهنَّ ويتساءلن: لماذا لا يقوم أزواجهنَّ بإبداء عواطفهم لهنَّ مثلما يفعل ذلك الزوج مع زوجته؟ ولماذا لا يقمن بملاطفة أزواجهنَّ مثل تلك الزوجة التي تلاطف زوجها بغير مبالاة بعيون الآخرين؟ أين الخطأ؟! هل يعني أنَّ علاقة تلك الزوجة بزوجها أقوى من علاقتهنَّ بأزواجهنَّ؟ أكد آخر الأبحاث التي أجريت في فرنسا أنَّ هناك فرقاً بين إظهار الزوج والزوجة لعواطفهما المبالغ فيها أمام الآخرين وبين العلاقة العاطفيَّة الحقيقيَّة، وأنَّه ربما يكون التعبير الزائد والمفرط عن العواطف هو مؤشر لوجود مشكلة حقيقيَّة وخطيرة أو هو محاولة من الزوجين؛ للتعويض عن نقص يعيب علاقتهما ويريدان إخفاءه. ويضيف البحث أنَّ الإسراف في إظهار العواطف أمام الآخرين قد يكون نوعاً من صرف الانتباه عن مشكلة حقيقيَّة في علاقتهما ولا يحتملان فكرة الآخرين عنها! شخصياً لا أحبُّ العواطف الإعلانيَّة، فهناك فارق بين الحبِّ وإعلانات سندوتشات هارديز والماكدونالد، الحبُّ الحقيقي سرٌّ عظيم لا يظهر منه إلا القليل، الحبُّ المزيف هو الذي يحتاج إلى الإعلان أشياء أخرى: «من لم يتمتع بصحة جيِّدة في سن العشرين ولم يحصل على ثورة في سن الأربعين، أو يكون حكيماً في الستين من عمره، فلن يكون سليماً أو ثرياً أو عاقلاً»