mena-gmtdmp

الزمن الجديد

أميمة عبد العزيز زاهد

بقدر ما تضحك الدنيا لنا فإنَّها تضحك علينا أضعافًا مضاعفة، فلو نظرنا إلى معظم مشاكلنا وأزماتنا لوجدنا أن سببها الأساسي هو تجاهلنا لها وغض البصر عنها، وهي في المهد والمرور عليها مرور الكرام، وكأننا ننتظر أن تحل نفسها بنفسها فتكون المفاجأة بأن تصاب حياتنا بالصدع بعد وقت، قد يطول أو يقصر، ويبدأ البحث المتأخر عن حل لها، فالسكوت عمَّا فات هو الذي أوصلنا لما نحن فيه.

إنَّه الزمن الجديد، زمن الحقد والحسد والكراهية والبغض والكذب، زمن أصبح للشر روافد تغذيه بالنيران ليحرق بلهبه البسطاء، فيعشش في العقول الخاوية التي تختار أقصر الطرق إلى بحور الوهم لتغرق فيها، زمن ضياع الحق الذي نتجرع فيه الأسى، ونجلس نتفرج ونصاب جميعًا بالصمت.

إنَّها مسميات كثيرة ومشكلات لا تنتهي من عنف وقتل وتعاطي مخدرات وفقر وبطالة وتسول وطلاق وعنوسة وانحرافات وسرقات ورشوة وغش وكذب وخداع وخيانة وانتحار وخطف واعتداءات وتزوير وتزييف ونميمة وغيبة ونفاق؛ رأيناها وعشناها وسمعناها في مواقع كثيرة وفي أزمان مختلفة، وبأسماء متغيرة جميعها مشتقة من الظلم؛ الظلم الذي أفسد علينا حياتنا وجعلنا نتساءل ليل نهار عما أصابنا من هم وغم وقلة حيلة وقلة بركة، إنَّه الظلم الذي اعتاد كثيرون منَّا على أن يلتزموا أمامه الصمت، إنَّه الظلم الذي بدأ يغزو عالمنا ليقود منظومة الكذب والنفاق، ظلم الكبار للصغار وظلم الصغار لمن هم أصغر منهم.

إنَّه زمن العجز، زمن يسخر من غفلتنا وجهلنا حتى فقدنا القدرة في الدفاع عن أنفسنا وفقدنا حقوقنا ووقفنا نتفرج وننبهر بقوة الأقوياء، ونستعجب من عجزنا ونحن نرى أن المظلوم يعتذر لمن ظلمه، والمجلود يعتذر لمن جلده، والمجني عليه يعتذر للجاني، ما الذي حدث حتى اختلفت المفاهيم وأصبح الكائن أقرب إلى تمثال حديدي؛ فلا يحس أو يشعر أو يتألم أو ينفعل؟ تتملكه الأنانية والقسوة، لا يفكر إلا في نفسه، ترى ما سرُّ تجمد مشاعرنا، والتبلد الذي أصابنا بعد أن أصبحنا نرى ونسمع مشاكل غيرنا من دون أن تهتز مشاعرنا؟ فقط نتفرج من دون أن تتأثر جوارحنا، وكأن كلاً منَّا يعيش في وادٍ منعزل لا علاقة له إلا بنفسه وهمومه ومتطلباته، حتى بدأت الأخبار الجميلة تنقرض والصداقة أصبحت من الذكريات والمنافسة الشريفة صارت حربًا غير متكافئة، وضاعت القيم الجميلة التي كانت تصنع السعادة، وأصبح الحبُّ كلمة لا معنى لها، ولم نعد نسمعها، ولم يعد يعرف الإنسان منَّا كيف يحبُّ نفسه، وبالتالي لن يعرف كيف يحب غيره، أصبحنا أناسًا ضاقت بنا الدنيا بما رحبت.

تُرى إلى متى نستمر في غفلتنا؟ وهل يمكننا أن نعيد للحياة توازنها مرة أخرى؛ لتعود القيم الجميلة، أم أن الذي مضى لن يعود؟ وليس لنا وسيلة للهروب من واقعنا المرِّ والتعيس الذي نعيشه سوى بالتسلح بالصبر والدعاء لرب العباد بأن يصلح الحال؟.