سافرنا إلى أماكن كثيرة وعواصم عديدة في المشرق والمغرب. كنا نحمل أشياءنا ونبحث عن ملاذ آمن نجد فيه أنفسنا أو بقايا أنفسنا. أرهقتنا رحلات الطيران والقطارات والمترو؛ لدرجة أن حقائبنا أصبحت متعبة أكثر منا، فهي مجروحة من هنا، ومكسورة من هناك، ومخدوشة من مكان ثالث؛ لدرجة أننا أصبحنا نغيّر حقائبنا في كل مرة دون أن تتغير «نفسياتنا» مرة واحدة.
كنا كمن يكون هاربًا من شيء ما أو باحثًا عن شيء ما!!
هاربون من أنفسنا إلى أنفسنا، وهذا أصعب أنواع الهروب. هاربون من أخطائنا.
نذهب إلى كل مكان ونحن نجر خلفنا هزائمنا، وانكساراتنا، وضعفنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس، نريد إصلاح ما انكسر منا بتضميد جراحنا. فلم نجد مكانًا وملاذًا آمنًا مثل بيت الله. فهذا المكان الوحيد الذي نجد فيه راحتنا. ونحن الذين كنا نجوب العالم، وكنا زبائن دائمين في مطارات هيثرو، وجون كنيدي، والقاهرة، وبيروت.
كنا دائمًا نبحث عن عاصمة، وعن مدينة نلقي برؤوسنا على أكتافها. مدينة تعمل بدرجة أمّ فتحتضننا، أو عاصمة لديها «إحساس» فائض يندلق على أرواحنا المتعبة، فوجدنا أن كل المدن والعواصم لا تقيم علاقات خاصة مع محبيها وزوارها. كل المدن تعاملك وكأنك مجرد رقم في هذه الأعداد المتزايدة. إلا هذه المدينة الخالدة التي تحتضن بيت الله. فهي تشعرك بخصوصيتك.
في كل مرة نزور فيها بيت الله نشعر بأننا ولدنا من جديد. أو أن أرواحنا قد «دبّت» فيها الروح. فبمجرد أن تلمح عيناك البيت العتيق في ظل هذه الأمواج البشرية المتلاطمة تشعر بأن لك خصوصيتك، وأن هناك من يستقبلك بحميمية، و«يربت» على كتفك، ويمسح دمعتك.
كل مرة نزور فيها بيت الله نعيد ترميم أرواحنا في اللحظات التي تسبق صوت الأذان في الصلاة، تشعر بأنك أقرب ما تكون إلى الله. فهذه الجموع البشرية تشعرك بأنك وسط عائلتك، وأهلك، وأحبابك، كل واحد يمد يد العون لك؛ هذا يريد أن يطعمك، وآخر يريد أن يسقيك. والله يمنحك الصفاء والعودة إلى ذاتك. وهو الشيء الذي فقدته أنا وأنت ونحن نطارد أرواحنا في المطارات والقطارات والمترو!
شعلانيات:
من المخجل التعثر مرتين بالحجر نفسه.
الضمير صوت هادئ يخبرك بأن أحدًا ينظر إليك.
من أكثر الناس أذى لنا هم الأشخاص الذين أعطيناهم كل ثقتنا؛ لأنهم بمعرفتهم أسرارنا يستخدمونها ضدنا يوم نختلف معهم!!





