إننا نحكم على الآخر من خلال ما يقول، وكيف يقوله، والعبارات التي يستخدمها والتي تعكس تفكيره ومدى معرفته وثقافته وأسلوبه في التعامل، فالكلام الهادف، سواء أكان ندوة أم محاضرة أم اجتماعاً أم حواراً أم لقاءً، إذا لم تكن بدايته واضحة فسينتهي مثلما بدأ؛ لأن الحوار فن له أصول، وعلم له أهداف وأسس، وكم من الشخصيات مرت علينا في حياتنا جذبت اهتمامنا وشدت انتباهنا بدون إرادة منا إلى الاستماع والاستمتاع بحديثها، فالمتحدث هو المسؤول الأول عن اختيار نوع الحديث ودفة الحوار، وأن يقدم كل المقومات التي تسهل عليه عملية الاتصال مع الآخرين؛ حتى يتفاعلوا معه.
إن جواز العبور لأعماق من أمامنا يحتاج منا أن نسعى بكل جهدنا ونكون مقتنعين ومتأثرين بما نقول، وعلى مدى قدرتنا في توصيل المعلومات، ونجاحنا يرتكز في اختيار القضايا التي تهم من أمامنا، وأن نفكر في رغباتهم واحتياجاتهم، وأن نحدد الهدف الحقيقي للرسالة ومضمونها؛ لنتمكن من جمع الكثير من الحقائق وتنسيقها ودراستها وفهمها من جميع الجوانب، ونصقل أذهاننا باستمرار بالاطلاع والقراءة؛ لنثري عقولنا، فيصبح لدينا مخزون إضافي، وعند البدء بالحديث لابد من القيام بالسرد التسلسلي والمنطقي بشكل طبيعي ومنظم وبلغة سهلة وواضحة مدعمة بوقائع محددة وواقعية وصادقة.
وحتى تكون رسالتنا واضحة ومفهومة، يتطلب ذلك عدم إغفال أهمية اختيار الزمن المناسب والمكان الملائم وقرب المسافة أو بعدها، وأن يكون الجو خالياً من العوائق التي تحول دون تحقيق اتصال فعّال، كما أن الخلط في فهم الرسالة والذي ينشأ عادة عن اختلاف الخبرة، فإن القدرة على استخدام نفس الكلمات والوصول إلى معانٍ مختلفة تمام الاختلاف من شأنه أن يكون أحد المخاطر اللفظية التي نتعرض لها، ونفترض أن كلَ مَن يسمعنا قد فهمها، وبالتالي سيفسرها في ضوء خبرات مشابهة لخبراتنا، وننسى أنه قد يجهل ما نعنيه، وبذلك لا تصل أفكارنا إليه كما كنا نريد، ولابد من مراعاة الفروق الفردية، والبعد عن السطحية، أو استخدام عبارات غريبة ومبهمة، مع ضرورة التأكد من عدم تكرار الموضوع، وأن تكون لنا القدرة في التحكم في سرعة الصوت وحدته ونبرته، وأن نعزز الرسالة بالإيماءات المتعددة، كل ذلك له تأثير يعتدّ به في الاتصال، فتتم الإفادة دون الإطالة؛ حتى لا يتسلل لمن أمامنا الشعور بالملل.
فالعقل يحتاج منا إلى تدريب مستمر، فلا نتوانى عن تطوير قدراتنا، سواء كان ذلك من خلال الدورات التدريبية، أو الحلقات التنشيطية، أو مساعدة أنفسنا من خلال التعلُّم الذاتي، كاستخدام آلة تسجيل؛ لنستمع لحديثنا، أو نتمرن على القراءة المستمرة بصوت عالٍ، أو عمل تجربة لما سنقوله أمام أحد الأصدقاء، فيتحسن بالتالي أسلوبنا في الإلقاء.
إن الشخصية الواثقة والابتسامة غير المتكلفة والتعابير البادية تعكس ما في الأعماق، وإن من يواجه محدثيه بانتباه وترحيب سيلقى نفس الاهتمام، أما من يلاقي الآخرين بالتجهُّم والارتباك فسيفقد ثقة من أمامه، حتى قبل أن يبدأ حديثه