mena-gmtdmp

هل الأصل في الذلِّ؟

أميمة عبد العزيز زاهد

اخترت زوجي بعقلي، رغم أنَّ له تجربة زواج سابقة لم ينجب فيها، ولم تكن لديَّ الرغبة في معرفة سبب طلاقه، فقد كان من وجهة نظري إنساناً يحمل سمات الرجولة بمعنى الكلمة. رجل مكتمل النضج، اخترته لرقته وبسمته الساحرة، اخترته لحبّه وودِّه وعطائه وإنسانيته الحالمة، ومن البداية حرصت على التحكم في بوصلة مشاعري تجاهه، فهو هادئ الطباع، قليل الكلام، لكن ظهرت حقيقته سريعاً بعد أشهر من الزواج؛ عندما وجدته شخصاً غريب الطباع، يتركني ساعات طويلة بمفردي، فهو يقضي معظم الوقت خارج المنزل، ولا يعود إلا في ساعة متأخرة من الليل. حاولت أن أعرف سرَّ تأخره؛ ظناً منِّي أنَّه يمرُّ بضغوط في عمله أو بظروف ماديَّة، أو أنَّ هناك مشاكل مع أهله، لكنَّه كان يكتفي بالصمت والنظر إليَّ نظرة تحمل معاني كثيرة، ويرفض مجرد مناقشتي فيما اعتبره تدخلاً منِّي في أموره الخاصة. طلبت منه ألا يتركني وحيدة، فأنا أحتاج وجوده إلى جانبي؛ يحدثني وأحدثه، نتفق ونختلف، لكنَّه أغلق أذنيه، ورغم ذلك حاولت أن أبحث له عن عذر واحد يمكن قبوله بالعقل والمنطق، لكنّي لم أوفق، ولم أكن أعلم أنَّ الأيام تخبئ لي مفاجأة لم تكن في الحسبان، عندما عرفت عن طريق الصدفة أنَّ طلاقه كان بسبب خيانته لزوجته في عقر دارها، والصدفة أيضاً هي من عرفتني أنَّه لا يزال يمارس هذا السلوك المشين خارج المنزل؛ خوفاً من أن أكتشف أمره. لحظتها انهرت، وتألمت، وقررت مواجهته بالحقيقة، فلم ينكر، وبدلاً من التأسف وإظهار الندم والعودة لرشده، ثار في وجهي، وقال إنَّه لم يتزوجني لكي أحاسبه على تصرفاته، فهو رجل حرٌّ يفعل ما يريد، وبعدها أصبح شخصاً عدوانياً؛ لاكتشافي حقيقته، وكانت القسوة والنطق بأفظع الألفاظ، التي أخجل عن ذكرها، لغته الوحيدة في الحوار معي، وظن أنَّ صمتي موافقة ضمنيَّة مني على قبول الوضع، أو أنَّ ضعفي يمنعني من طلب الطلاق، ولا يعلم بأنني عندما أخبرت أبي بما أعاني، قال: «بنت الرجال وبنت الأصول تتحمل زوجها، فبعد فترة وإن طالت سيعود لبيته ولصوابه»، ورفض طلاقي وعودتي لمنزل الأسرة، أي ذل أعيش فيه بموافقة أبي، وكنت أحاول أن أنسى أو أتناسى ما يفعله بي والألم قابع في أعماقي، وأعيش في نفور منه وهروب مستمر من ذاتي! فكيف أجبر على الحياة مع زوج لم يحترم إنسانيتي ومشاعري؟ وكيف أمارس دوري وأنا أبتلع الإهانة والقهر والخيانة باسم بنت الأصول؟!