لماذا نتزوج

د. ليلى شمس الدين
د. ليلى شمس الدين
د. ليلى شمس الدين

كثيراً ما تلفتني عبارة من فم إحداهن: "لم أعد أحتمل العيش معه بهذه الطريقة"، وفي الجانب الآخر تتردّد عبارات على لسان الزوج تحمل المضمون ذاته، وإن بكلمات مغايرة، كأن يقول: "الحياة معها لم تعد تطاق، الفراق هو الحل"...

عبارات وعبارات تستوقفني عندما تشكو زوجة، أو يشكو زوج، حياتهما المضطربة، وإن بعد سنين زوجية، وإنجاب أولاد كانوا ثمرة العلاقة بينهما.

هذه المواقف وغيرها، دفعتني لطرح سؤال أساسي: لماذا يُقدم الأشخاص على الزواج؟

قد يعدّ البعض أنّ الإجابة بديهية، لأنّ الناس يتزوجون لأسباب ودوافع مختلفة، مثل الحب، والالتزام، والرفقة، والرغبة في الاستقرار، والوضع الاجتماعي والتقاليد، وغيرها من الأسباب.. وفي المحصّلة فإنّ قرار الزواج هو قرار يختلف من شخص لآخر.

وفي السياق ذاته، تختلف توقّعات بناء الأسرة بين شخص وآخر، ومن بيئة إلى أخرى اعتماداً على المعتقدات الثقافية والدينية والشخصية، إلاّ أنّ هناك شبه توافق يعدّ بناء الأسرة عملية معقّدة ومتعدّدة الأوجه.

ومع ذلك، نجد بعض التوقّعات التي ترتبط غالباً ببناء الأسرة وتتضمّن: التفهّم والدعم العاطفي، وإغداق الحب والرعاية لكليهما، والعمل على توفير الاحتياجات الجسدية والعاطفية لجميع أفراد الأسرة، بما في ذلك توفير الظروف المناسبة للأبناء، ومساعدتهم على النمو والتطوّر ليصبحوا بالغين متكيّفين في حياتهم على النحو الجيّد والمطلوب. من دون أن نتغافل أو نغفل القدرة على التكيّف مع كل التغييرات المحيطة والطارئة، للحفاظ على أسرة متماسكة تنعم بالمقوّمات الصحيّة.

أمّا النقطة الأهم فهي أنّنا سنصبح حكماً قدوة أولادنا، من خلال كيفية عيشنا ومقاربتنا لأمور الحياة، وسبل تواصلنا وتعاملاتنا مع بيئتنا الصغيرة ومع من حولنا. وبذلك نرسم لهم كيفية انتقالهم من عالمهم الضيّق معنا، إلى العالم الأرحب الذي سيخوضونه بمحطّاته وتشعبّاته المختلفة.

وعليه إذا ما وصل الزوجان إلى مرحلة ضاغطة وقلقة ومتوتّرة ونافرة بسبب مشاحنات مزمنة تنتج اهتزازات في التواصل والثقة والعلاقة الحميمة، وتسهم في هدم الرابطة العاطفية بينهما. عندها يعيش جميع أفراد الأسرة في بيئة مرهقة وعدائية، يُسفر عنها الشعور بعدم الأمان والقلق والانسحاب العاطفي، ما ينعكس على النموذج القدوة الذي يُفرض على الأبناء.

فهل يُدرك الزوجان التبعات الحقيقية التي يخلّفانها على نفسيهما، وعلى من كانوا سبباً في إيجادهم في هذا العالم؟

هو بالتأكيد ليس مصيراً محتّماً لا حول لنا ولا قوّة في سيرورته، وإنما هو قرار وخيار نرسمه بإدراكنا ووعينا وبمحض إرادتنا. فهل نعي تردّداته وأبعاده، هذا هو السؤال.